المسألة الأولى المكان يدفع عن أهل السنة شبه الفلاسفة والزمان يدفع عنهم شبه المشبهة
أما بيان الأول فذلك لأن الفلسفي يقول لو كان عدم العالم قبل وجوده لكان عند فرض عدم العالم قبل وقبل وبعد لا يتحقق إلا بالزمان فقبل العالم زمان والزمان من جملة العالم فيلزم وجود الشيء عند عدمه وهو محال فنقول لهم قد وافقتمونا على أن الأمكنة متناهية لأن الأبعاد متناهية بالاتفاق فإذن فوق السطح الأعلى من العالم يكون عدماً وهو موصوف بالفوقية وفوق وتحت لا يتحقق إلا بالمكان ففوق العالم مكان والمكان من العالم فيلزم وجود الشيء عند عدمه فإن أجابوا بأن فوق السطح الأعلى لا خلا ولا ملا نقول قبل وجود العالم لا آن ولا زمان موجود
أما بيان الثاني فلأن المشبهي يقول لا يمكن وجود موجود إلا في مكان فالله في مكان فنقول فيلزمكم أن تقولوا الله في زمان لأن الوهم كما لا يمكنه أن يقول هو موجود ولا مكان لا يمكنه أن يقول هو كان موجوداً ولا زمان وكل زمان هو حادث وقد أجمعنا على أن الله تعالى قديم
المسألة الثانية لو قال قائل إذا كان المراد منه الاستدلال بالزمان فلم اختار الليل حيث قال وَءايَة ٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نقول لما استدل بالمكان الذي هو المظلم وهو الأرض وقال وَءايَة ٌ لَّهُمُ الاْرْضُ ( يس ٣٣ ) استدل بالزمان الذي فيه الظلمة وهو الليل ووجه آخر وهو أن الليل فيه سكون الناس وهدوء الأصوات وفيه النوم وهو كالموت ويكون بعده طلوع الشمس كالنفخ في الصور فيتحرك الناس فذكر الموت كما قال في الأرض وَءايَة ٌ لَّهُمُ الاْرْضُ الْمَيْتَة ُ ( يس ٣٣ ) فذكر في الزمانين أشبههما بالموت كما ذكر من المكانين أشبههما بالموت
المسألة الثالثة ما معنى سلخ النهار من الليل نقول معناه تمييزه منه يقال انسلخ النهار من الليل إذا أتى آخر النهار ودخل أول الليل وسلخه الله منه فانسلخ هو منه وأما إذا استعمل بغير كلمة من فقيل سلخت النهار أو الشمس فمعناه دخلت في آخره فإن قيل فالليل في نفسه آية فأية حاجة إلى قوله نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ نقول الشيء تتبين بضده منافعه ومحاسنه ولهذا لم يجعل الله الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آية النهار معها وقوله فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ أي داخلون في الظلام وإذا للمفاجأة أي ليس بيدها بعد ذكر أمر ولا بد لهم من الدخول فيه وقوله تعالى
وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
ويحتمل أن يكون الواو للعطف على الليل تقديره وآية لهم الليل نسلخ والشمس تجري والقمر قدرناه فيه كلها آية وقوله وَالشَّمْسُ تَجْرِى إشارة إلى سبب سلخ النهار فإنها تجري لمستقر لها وهو وقت الغروب فينسلخ النهار وفائدة ذكر السبب هو أن الله لما قال نسلخ منه النهار وكان غير بعيد من الجهال أن يقول قائل منهم سلخ النهار ليس من الله إنما يسلخ النهار بغروب الشمس فقال تعالى والشمس تجري لمستقر لها بأمر الله فمغرب الشمس سالخ للنهار فبذكر السبب يتبين صحة الدعوى ويحتمل أن يقال بأن قوله وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا إشارة إلى نعمة النهار بعد الليل كأنه تعالى لما قال وَءايَة ٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ( يس ٣٧ ) ذكر أن الشمس تجري فتطلع عند انقضاء الليل فيعود النهار بمنافعه وقوله لِمُسْتَقَرّ اللام يحتمل أن تكون للوقت كقوله تعالى أَقِمِ الصَّلَواة َ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ( الإسراء ٧٨ ) وقوله تعالى فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( الطلاق ١ ) ووجه استعمال اللام للوقت هو أن اللام المكسورة في الأسماء لتحقيق معنى الإضافة لكن إضافة الفعل إلى سببه أحسن الإضافات لأن الإضافة لتعريف المضاف بالمضاف إليه كما في قوله دار زيد لكن الفعل يعرف


الصفحة التالية
Icon