قال الزمخشري لا بد من تقدير لفظ يتم به معنى الكلام لأن القمر لم يجعل نفسه منازل فالمعنى أنا قدرنا سيره منازل وعلى ما ذكره يحتمل أن يقال المراد منه والقمر قدرناه ذا منازل لأن ذا الشيء قريب من الشيء ولهذا جاز قول القائل عيشة راضية لأن ذا الشيء كالقائم به الشيء فأتوا بلفظ الوصف
وقوله حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ أسي رجع في الدقة إلى حالته التي كان عليها من قبل والعرجون من الانعراج يقال لعود العذق عرجون والقديم المتقادم الزمان قيل إن ما غبر عليه سنة فهو قديم والصحيح أن هذه بعينها لا تشترط في جواز إطلاق القديم عليه وإنما تعتبر العادة حتى لا يقال لمدينة بنيت من سنة وسنتين إنهاء بناء قديم أو هي قديمة ويقال لبعض الأشياء إنه قديم وإن لم يكن له سنة ولهذا جاز أن يقال بيت قديم وبناء قديم ولم يجز أن يقال في العالم إنه قديم لأن القدم في البيت والبناء يثبت بحكم تقادم العهد ومرور السنين عليه وإطلاق القديم على العالم لا يعتاد إلا عند من يعتقد أنه لا أول له ولا سابق عليه ثم قال تعالى
لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
إشارة إلى أن كل شيء من الأشياء المذكورة خلق على وفق الحكمة فالشمس لم تكن تصلح لها سرعة الحركة بحيث تدرك القمر وإلا لكان في شهر واحد صيف وشتاء فلا تدرك الثمار وقوله وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ قيل في تفسيره إن سلطان الليل وهو القمر ليس يسبق الشمس وهي سلطان النهار وقيل معناه ولا الليل سابق النهار أي الليل لا يدخل وقت النهار والثاني بعيد لأن ذلك يقع إيضاحاً للواضح والأول صحيح إن أريد به ما بينته وهو أن معنى قوله تعالى وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ أن القمر إذا كان على أفق المشرق أيام الاستقبال تكون الشمس في مقابلته على أفق المغرب ثم إن عند غروب الشمس يطلع القمر وعند طلوعها يغرب القمر كأن لها حركة واحدة مع أن الشمس تتأخر عن القمر في ليلة مقداراً ظاهراً في الحس فلو كان للقمر حركة واحدة بها يسبق الشمس ولا تدركه الشمس وللشمس حركة واحدة بها تتأخر عن القمر ولا تدرك القمر لبقي القمر والشمس مدة مديدة في مكان واحد لأن حركة الشمس كل يوم درجة فخلق الله تعالى جميع الكواكب حركة أخرى غير حركة الشهر والسنة وهي الدورة اليومية وبهذه الدورة لا يسبق كوكب كوكباً أصلاً لأن كل كوكب من الكواكب إذا طلع غرب مقابله وكلما تقدم كوكب إلى الموضع الذي فيه الكوكب الآخر بالنسبة إلينا تقدم ذلك الكوكب فبهذه الحركة لا يسبق الشمس فتبين أن سلطان الليل لا يسبق سلطان النهار فالمراد من الليل القمر ومن النهار الشمس فقوله لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ القَمَرَ إشارة إلى حركتها البطيئة التي تتم الدورة في سنة وقوله وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ إشارة إلى حركتها اليومية التي بها تعود من المشرق إلى المشرق مرة أخرى في يوم وليلة وعلى هذا ففيه مسائل


الصفحة التالية
Icon