( يس ٣٣ ٣٧ ٤١ ) وكانت الآيات تفيد اليقين وتوجب القطع بما قال تعالى ولم تفدهم اليقين قال فلا أقل من أن يحترزوا عن العذاب فإن من أخبر بوقوع عذاب يتقيه وإن لم يقطع بصدق قول المخبر احتياطاً فقال تعالى إذا ذكر لهم الدليل القاطع لا يتعرفون به وإذا قيل لهم اتقوا لا يتقون فهم في غاية الجهل ونهاية الغفلة لا مثل العلماء الذين يتبعون البرهان ولا مثل العامة الذين يبنون الأمر على الأحوط ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بحرف التمني أي في ظنكم فإن من يخفى عليه وجه البرهان لا يترك طريقة الاحتراز والاحتياط وجواب قوله إِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّقَوْاْ محذوف معناه وإذا قيل لهم ذلك لا يتقون أو يعرضون وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه وهو قوله تعالى وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ تَأْتِيهِم مّنْ ءايَة ٍ مّنْ ( الأنعام ٤ ) وفي قوله تعالى مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ وجوه أحدها مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ الآخرة فإنهم مستقبلون لها وَمَا خَلْفَكُمْ الدنيا فإنهم تاركون لها وثانيها وَمَا بَيْنَ أَيْدِيكُم من أنواع العذاب مثل الغرق والحرق وغيرهما المدلول عليه بقوله تعالى وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ( يس ٤٣ ) وما خلفكم من الموت الطالب لكم إن نجوتم من هذه الأشياء فلا نجاة لكم منه يدل عليه قوله تعالى وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ( يس ٤٤ ) وثالثها ما بين أيديكم من أمر محمد ( ﷺ ) فإنه حاضر عندكم وما خلفكم من أمر الحشر فإنكم إذا اتقيتم تكذيب محمد ( ﷺ ) والتكذيب بالحشر رحمكم الله وقوله تعالى لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ مع أن الرحمة واجبة فيه وجوه ذكرناها مراراً ونزيد ههنا وجهاً آخر وهو أنه تعالى لما قال اتَّقَوْاْ بمعنى أنكم إن لم تقطعوا بناء على البراهين فاتقوا احتياطاً قال لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يعني أرباب اليقين يرحمون جزماً وأرباب الاحتياط يرجى أن يرحموا والحق ما ذكرنا من وجهين أحدهما اتقوا راجين الرحمة فإن الله لا يجب عليه شيء وثانيهما هو أن الاتقاء نظراً إليه أمر يفيد الظن بالرحمة فإن كان يقطع به أحد لأمر من خارج فذلك لا يمنع الرجاء فإن الملك إذا كان في قلبه أن يعطي من يخدمه أكثر من أجرته أضعافاً مضاعفة لكن الخدمة لا تقتضي ذلك يصح منه أن يقول افعل كذا ولا يبعد أن يصل إليك أجرتك أكثر مما تستحق ثم قال تعالى
وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَة ٍ مِّنْ ءَايَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ
وهذا متعلق بما تقدم من قوله تعالى فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ ( يس ٣٠ ) وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ تَأْتِيهِم مّنْ ءايَة ٍ مّنْ ءايَاتِ رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ يعني إذا جاءتهم الرسل كذبوهم فإذا أتوا بالآيات أعرضوا عنها وما التفتوا إليها وقوله أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ الْقُرُونِ إلى قوله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( يس ٣١ ٤٥ ) وكان فيه تقدير أعرضوا قال ليس إعراضهم مقتصراً على ذلك بل هم على كل آية معرضون أو يقال إذا قيل لهم اتقوا اقترحوا آيات مثل إنزال الملك وغيره فقال وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَة ٍ مّنْ ءايَاتِ رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وعلى هذا كانوا في المعنى يكون زائداً معناه إلا يعرضون عنها أي لا ينفعهم الآيات من كذب بالبعض هان عليه التكذيب بالكل


الصفحة التالية
Icon