المنتظر للصيحة فإذا كان حال الصيحة ما ذكرناه من الشدة والقوة وترد على الغافل الذي هو مع خصمهمشغول يكون الارتجاف أتم والإيحاف أعظم ويحتمل أن يقال يَخِصّمُونَ في البعث ويقولون لا يكون ذلك أصلاً فيكونون غافلين عنه بخلاف من يعتقد أنه يكون فيتهيأ له وينتظر وقوعه فإنه لا يرتجف وهذا هو المراد بقوله تعالى فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاْرْضِ إِلاَّ مَن شَاء ( الزمر ٦٨ ) ممن اعتقد وقوعها فاستعد لها وقد مثلنا ذلك فيمن شام برقاً وعلم أن سيكون رعد ومن لم يشمه ولم يعلم ثم رعد الرعد ترى الشائم العالم ثابتاً والغافل الذاهل مغشياً عليه ثم بين شدة الأخذ وهي بحيث لا تمهلهم إلى أن يوصوا وفيه أمور مبينة للشدة أحدها عدم الاستطاعة فإن قول القائل فلأن في هذا الحال لا يوصي دون قوله لا يستطيع التوصية لأن من لا يوصي قد يستطيعها الثاني التوصية وهي بالقول والقول يوجد أسرع مما يوجد الفعل فقال لا يستطيعون كلمة فكيف فعلاً يحتاج إلى زمان طويل من أداء يالواجبات ورد المظالم الثالث اختيار التوصية من بين سائر الكلمات يدل على أنه لا قدرة له على أهم الكلمات فإن وقت الموت الحاجة إلى التوصية أمس الرابع التنكير في التوصية للتعميم أي لا يقدر على توصية ما ولو كانت بكلمة يسيرة ولأن التوصية قد تحصل بالإشارة فالعاجز عنها عاجز من غيرها الخامس قوله وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ بيان لشدة الحاجة إلى التوصية لأن من يرجو الوصول إلى أهله قد يمسك عن الوصية لعدم الحاجة إليها وأما من يقطع بأنه لا وصول له إلى أهله فلا بد له من التوصية فإذا لم يستطع مع الحاجة دل على غاية الشدة
وفي قوله وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وجهان أحدهما ما ذكرنا أنهم يقطعون بأنهم لا يمهلون إلى أن يجتمعوا بأهالهيم وذلك يوجب الحاجة إلى التوصية وثانيهما أنهم إلى أهلم لا يرجعون يعني يموتون ولا رجوع لهم إلى الدنيا ومن يسافر سفراً ويعلم أنه لا رجوع له من ذلك السفر ولا اجتماع له بأهله مرة أخرى يأتي بالوصية ثم بين ما بعده بالصيحة الأول فقال
وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الاٌّ جْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ
أي نفخ فيه ( مرة ) أخرى كما قال تعالى ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ( الزمر ٦٨ ) وفيه مسائل
المسألة الأولى قال تعالى في موضع آخر ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ وقال ههنا فَإِذَا هُم مّنَ الاْجْدَاثِ إِلَى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ والقيام غير النسلان وقوله في الموضعين فَإِذَا هُم يقتضي أن يكون معاً نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما أن القيام لا ينافي المشي السريع لأن الماشي قائم ولا ينافي النظر وثانيهما أن السرعة مجىء الأمور كأن الكل في زمان واحد كقول القائل مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
المسألة الثانية كيف صارت النفختان مؤثرتين في أمرين متضادين الأحياء والإماتة نقول لا مؤثر غير الله والنفخ علامة ثم إن الصوت الهائل يزلزل الأجسام فعند الحياة كانت أجزاء الحي مجتمعة فزلزها فحصل فيها تفريق وحالة الموت كانت الأجزاء متفرقة فزلزلها فحصل فيها اجتماع فالحاصل أن النفختين يؤثران تزلزلاً وانتقالاً للأجرام فعند الاجتماع تتفرق وعدن الافتراق تجتمع
المسألة الثالثة ما التحقيق في إذا التي للمفاجأة نقول هي إذا التي للظرف معناه نفخ في الصور فإذا نفخ فيه هم


الصفحة التالية
Icon