فقوله لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ ليأمن المؤمن وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لييأس المجرم الكافر وفيه مسائل
المسألة الأولى ما الفائدة في الخطاب عند الإشارة إلى يأس المجرم بقوله وَلاَ تُجْزَوْنَ وترك الخطاب في الإشارة إلى أمان المؤمن من العذاب بقوله لاَ تُظْلَمُ ولم يقل ولا تظلمون أيها المؤمنون نقول لأن قوله لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً يفيد العموم وهو كذلك فإنها لا تظلم أبداً وَلاَ تُجْزَوْنَ مختص بالكافر فإن الله يجزي المؤمن وإن لم يفعل فإن الله فضلاً مختصاً بالمؤمن وعدلاً عاماً وفيه بشارة
المسألة الثانية ما المقتضى لذكر فاء التعقيب نقول لما قال مُحْضَرُونَ ( يس ٥٣ ) مجموعون والجمع للفصل والحساب فكأنه تعالى قال إذا جمعوا لم يجمعوا إلا للفصل بالعدل فلا ظلم عند الجمع للعدل فصار عدم الظلم مترتباً عى الإحضار للعدل ولهذا يقول القائل للوالي أو للقاضي جلست للعدل فلا تظلم أي ذلك يتقضي هذا ويستعقبه
المسألة الثالثة لا يجزون عين ما كانوا يعلمون بل يجزون بما كانوا أو على ما كانوا وقوله وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يدل على أن الجزاء بعين العمل لا يقال جزى يتعدى بنفسه وبالباء يقال جزيته خيراً وجزيته بخير لأن ذلك ليس من هذا لأنك إذا قلت جزيته بخير لا يكون الخير مفعولك بل تكون الباء للمقابلة والسببية كأنك تقول جزيته جزاء بسبب ما فعل فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما أن يكون ذلك إشارة على وجه المبالغة إلى عدم الزيادة وذلك لأن الشيء لا يزيد على عينه فنقول قوله تعالى تجزون بما كانوا يعملون في المساواة كأنه عين ما علموا يقال فلان يجاوبني حرفاً بحرف أي لا يترك شيئاً وهذا يوجب اليأس العظيم الثاني هو أن ما غير راجع إلى الخصوص وإنما هي للجنس تقديره ولا تجزون إلا جنس العمل أي إن كان حسنة فحسنة وإن كانت سيئة فسيئة فتجزون ما تعملون من السيئة والحسنة وهذا كقوله تعالى وَجَزَاء سَيّئَة ٍ سَيّئَة ٌ مّثْلُهَا ( الشورى ٤٠ )
ثم بين حال المحسن وقال
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّة ِ اليَوْمَ فِى شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِى ظِلَالٍ عَلَى الاٌّ رَآئِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَة ٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ
وقوله فِى شُغُلٍ يحتمل وجوهاً أحدهما في شغل عن هول اليوم بأخذ ما آتاهم الله من الثواب فما عندهم خبر من عذاب ولا حساب وقوله فَاكِهُونَ يكون متمماً لبيان سلامتهم فالله لو قال في شغل جاز أن يقال هم في شغل عظم من التفكر في اليوم وأهواله فإن من يصيبه فتنة عظيمة ثم يعرض عليه أمر من أموره ويخبر بخسران وقع في ماله يقول أنا مشغول من هذا بأهم منه فقال فَاكِهُونَ أي شغلوا عنه باللذة والسرور لا بالويل والثبور وثانيها أن يكون ذلك بياناً لحالهم ولا يريد أنهم شغلوا عن


الصفحة التالية
Icon