بأمارات عقلية أو حسية غير حس البصر كالأصوات والمشي بحس اللمس فارتقى وقال فلو مسخهم وسلب قوتهم بالكلية لا يهتدون إلى الصراط بوجه من الوجوه
البحث الثالث قدم المضي على الرجوع لأن الرجوع أهون من المضي لأن المضي لا ينبيء عن سلوك الطريق من قبل وأما الرجوع فينبيء عنه ولا شك أن سلوك طريق قد رؤي مرة أهون من سلوك طريق لم ير فقال لا يستطيعون مضياً ولا أقل من ذلك وهو الرجوع الذي هو أهون من المضي
وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ
فقد ذكرنا أن قوله تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ( يس ٦٠ ) قطع للأعذار بسبق الإنذار ثم لما قرر ذلك وأتمه شرع في قطع عذر آخر وهو أن الكافر يقول لم يكن لبثنا في الدنيا إلا يسيراً ولو عمرتنا لما وجدت منا تقصيراً فقال الله تعالى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ إِنَّكُمْ كُلَّمَا دَخَلْتُمْ فِى نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ( فاطر ٣٧ ) ثم إنكم علمتم أن الزمان كلما يعبر علكيم يزداد ضعفكم فضيعتم زمان الإمكان فلو عمرناكم أكثر من ذلك لكان بعده زمان الإزمان ومن لم يأت بالواجب زمان الإمكان ما كان يأتي به زمان الإزمان
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ
في الترتيب وجهان قد ذكرنا أن الله في كل موضع ذكر أصلين من الأصول الثلاثة وهي الوحدانية والرسالة والحشر ذكر الأصل الثالث منها وههنا ذكر الأصلين الوحدانية والحشر أما الوحدانية ففي قوله تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى وَإِذْ أَخَذَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ ( يس ٦٠ ) وفي قوله وَأَنِ اعْبُدُونِى هَاذَا صِراطٌ مُّسْتَقِيمٌ ( يس ٦١ ) وأما الحشر ففي قوله تعالى اصْلَوْهَا الْيَوْمَ ( يس ٦٤ ) وفي قوله الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ ( يس ٦٥ ) إلى غير ذلك فلما ذكرهما وبينهما ذكر الأصل الثالث وهو الرسالة فقال وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءانٌ مُّبِينٌ وقوله وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ إشارة إلى أنه معلم من عند الله فعلمه ما أراد ولم يعلمه ما لم يرد وفي تفسير الآية مباحث
البحث الأول خص الشعر بنفي التعليم مع أن الكفار كانوا ينسبون إلى النبي ( ﷺ ) أشياء من جملتها السحر ولم يقل وما علمناه السحر وكذلك كانوا ينسبونه إلى الكهانة ولم يقل وما علمناه الكهانة فنقول أما الكهانة فكانوا ينسبون النبي ( ﷺ ) إليها عندما كان يخبر عن الغيوب ويكون كما يقول وأما السحر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يفعل ما لا يقدر عليه الغير كشق القمر وتكلم الحصى والجذع وغير ذلك وأما الشعر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يتلوا القرآن عليهم لكنه ( ﷺ ) ما كان يتحدى إلا بالقرآن كما قال تعالى وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَة ٍ مّن مِّثْلِهِ