أرضية فقال وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاْرْضَ خَاشِعَة ً والخشوع التذلل والتصاغر واستعير هذا اللفظ لحال الأرض حال خلوها عن المطر والنبات فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ أي تحركت بالنبات وربت انتفخت لأن النبت إذا قرب أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات ثم قال إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا فَانظُرْ إِلَى يعني أن القادر على إحياء الأرض بعد موتها هو القادر على إحياء هذه الأجساد بعد موتها وقد ذكرنا تقرير هذا الدليل مراراً لا حصر لها ثم قال إِنَّهُ عَلَى كُلّ شَى ْء قَدِيرٌ وهذا هو الدليل الأصلي وتقريره إن عودة التأليف والتركيب إلى تلك الأجزاء المتفرقة ممكن لذاته وعود الحياة والعقل والقدرة إلى تلك الاْجزاء بعد اجتماعها أيضاً أمر ممكن لذاته والله تعالى قادر على الممكنات فوجب أن يكون قادراً على إعادة التركيب والتأليف والحياة والقدرة والعقل والفهم إلى تلك الأجزاء وهذا يدل دلالة واضحة على أن حشر الأجساد ممكن لا امتناع فيه ألبتة والله أعلم
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءَايَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءَامِناً يَوْمَ الْقِيَامَة ِ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
اعلم أنه تعالى لما بيّن أن الدعوة إلى دين الله تعالى أعظم المناصب وأشرف المراتب ثم بيّن أن الدعوة إلى دين الله تعالى إنما تحصل بذكر دلائل التوحيد والعدل وصحة البعث والقيامة عاد إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات ويحاول إلقاء الشبهات فيها فقال إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءايَاتِنَا يقال ألحد الحافر ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق فالملحد هو المنحرف ثم بحكم العرف اختص بالمنحرف عن الحق إلى الباطل وقوله لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا تهديد كما إذا قال الملك المهيب إن الذين ينازعونن في ملكي أعرفهم فإنه يكون ذلك تهديداً ثم قال أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ مِن إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى وهذا استفهام بمعنى التقرير والغرض التنبيه على أن الذين يلحدون في آياتنا يلقون في النار والذين يؤمنون بآياتنا يأتون آمنين يوم القيامة ثم قال اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وهذا أيضاً تهديد ثالث ونظيره ما يقوله الملك المهيب عند الغضب الشديد إذا أخذ يعاتب بعض عبيده ثم يقول لهم اعملوا ما شئتم فإه هذا مما يدل على الوعيد الشديد
ثم قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وهذا أيضاً تهديد وفي جوابه وجهان أحدهما أنه محذوف كسائر الأجوبة المحذوفة في القرآن على تقدير إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم يجازون بكفرهم أو ما أشبه والثاني أن جوابه قوله أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ والأول أصوب


الصفحة التالية
Icon