الصفة لزم حصول الاستواء في تمام الحقيقة إلا أنا نقول لما ثبت أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية فلو كانت ذاته جسماً لكن ذلك الجسم مساوياً لسائر الأجسام في تمام الماهية وحينئذ يلزم أن يكون كل جسم مثلاً له لما بينا أن المعتبر في حصول المماثلة اعتبار الحقائق من حيث هي هي لا اعتبار الصفات القائمة بها فظهر بالتقرير الذي ذكرناه أن حجة أهل التوحيد في غاية القوة وأن هذه الكلمات التي أوردها هذا الإنسان إنما أوردها لأنه كان بعيداً عن معرفة الحقائق فجرى على منهج كلمات العوام فاغتر بتلك الكلمات التي ذكرها ونسأل الله تعالى حسن الخاتمة
المسألة الثانية في ظاهر هذه الآية إشكال فإنه يقال المقصود منها نفي المثل عن الله تعالى وظاهرها يوجب إثبات المثل لله فإنه يقتضي نفي المثل عن مثله لا عنه وذلك يوجب إثبات المثل لله تعالى وأجاب الغعماء عنه بأن قالوا إن العرب تقول مثلك لا يبخل أي أنت لا تبخل فنوفا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عنه ويقول الرجل هذا الكلام لا يقال لمثلي أي لا يقال لي قال الشاعر
( ومثلي كمثل جذوع النخيل )
والمراد منه المبالغة فإنه إذا كان ذلك الحكم منتفياً عمن كان مشابهاً بسبب كونه مشابهاً له فلأن يكون منتفياً عنه كان ذلك أولى ونظيره قولهم سلام على المجلس العالي والمقصود أن سلام الله إذا كتن واقعالً على مجلسه وموضعه فلأن يكون واقعاً عليه كان ذلك أولى فكذا ههنا قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء والمعنى ليس كهو شيء على سبيل المبالغة من الوجه الذي ذكرناه وعلى هذا التقدير فلم يكن هذا الفظ ساقطاً عديم الأثر بل كان مفيداً للمبالغة من الوجه الذي ذكرناه وزعم جهم بن صفوان أن المقصود من هذه الآية بيان أنه تعالى ليس مسمى باسنم الشيء قال لأن كل شيء فإنه يكون مثلاً لمثل نفسه فقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى ْء معناه ليس نثل مثله شيء وذلك يقتضي أن لا يكون هو مسمى بالسم الشيء وعندي فيه طريقة أخرى وهي أن المقصود من ذكر الجمع بين حرفي التشبيه الدليل الدال على كونه منزّهاً عن المثل وتقريره أن يقال لو كان له مثل لكن هو مثل نفسه وهذا محال فإثبات المثل له محال أما بيان أنه لو كان له مثل لكان هو مثل نفسه فالأمر فيه ظاهر وأما بيان أن هذا محال فلأنه لو كان مثل مثل نفسه لكان مساوياً لمثله في تلك الماهية ومبايناً له في نفسه وما به المشاركة غير ما به المباينة فتكون ذات كل واحد منهما مركباً وكل مركب ممكن فثبت أنه لو حصل لواجب الوجود مثل لما كان هو في نفسه واجب الوجود إذا عرفت هذا فقوله ليس مثله مثله شيء إشارة إلى أنه لو صدق عليه أنه مثل مثل نفسه لما كان هو شيئاً بناءً على ما بينا أنه لو حصل لواجب الوجود مثل لما كان واجب الوجود فهذا ما يحتمله اللفظ
المسألة الثالثة هذه الآية دالة على نفي المثل وقوله تعالى وَلَهُ الْمَثَلُ الاعْلَى ( الروم ٢٧ ) يقتضي إثبات المثل فلا بد من الفرق بينهما فنقول المثل هو الذي يكون مساوياً للشيء في تمام الماهية والمثل هو الذي يكون مساوياً له في بعض الصفات الخارجة عن الماهية وإن كان مخالفاً في تمام الماهية
المسألة الرابعة قوله وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يدل على كونه تعالى سامعاً للمسموعات مبصراً للمرئيات فإن قيل يمتنع إجراء هذا اللفظ على طاهره وذلك لأنه إذا حصل قرع أو قلع انقلب الهواء من بين ذينك الجسمين انقلاباً يعنف فيتموج الهواء بسبب ذلك ويتأدى ذلك التموج إلى سطح الصماخ فهذا هو