وَجَزَآءُ سَيِّئَة ٍ سَيِّئَة ٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَائِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاٍّ مُورِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِى ٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِى ٍّ وَقَالَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ
اعلم أنه تعالى لما قال وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْى ُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ( الشورى ٣٩ ) أردفه بما يدل على أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيداً بالمثل فإن النقصان حيف والزيادة ظلم والتساوي هو العدل وبه قامت السماوات والأرض فلهذا السبب قال وَجَزَاء سَيّئَة ٍ مِثْلِهَا وفي الآية مسائل
المسألة الأولى لقائل أن يقول جزاء السيئة مشروع مأذون فيه فكيف سمي بالسيئة أجاب صاحب ( الكشاف ) عنه كلتا الفعلتين الأولى وجزاؤها سيئة لأنها تسوء من تنزل به قال تعالى وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَة ٌ يَقُولُواْ هَاذِهِ مِنْ عِندِكَ ( النساء ٧٨ ) يريد ما يسوءهم من المصائب والبلايا وأجاب غيره بأنه لما جعل أحدهما في مقابلة الآخر على سبيل المجاز أطلق اسم أحدهما على الآخر والحق ما ذكره صاحب ( الكشاف )
والمسألة الثانية هذه الآية أصل كبير في علم الفقه فإن مقتضاها أن تقابل كل جناية بمثلها وذلك لأن الإهدار يوجب فتح باب الشر والعدوان لأن في طبع كل أحد الظلم والبغي والعدوان فإذا لم يزجر عنه أقدم عليه ولم يتركه وأما الزيادة على قدر الذنب فهو ظلم والشرع منزّه عنه فلم يبق إلا أن يقابل بالمثل ثم تأكد هذا النص بنصوص أُخر كقوله تعالى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ( النحل ١٢٦ ) وقوله تعالى مَنْ عَمِلَ سَيّئَة ً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ( غافر ٤٠ ) وقوله عزّ وجلّ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ( البقرة ١٧٨ ) والقصاص عبارة عن المساواة والمماثلة وقوله تعالى وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ( المائدة ٤٥ ) وقوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَواة ٌ ( البقرة ١٧٩ ) فهذه النصوص بأسرها تقتضي مقابلة الشيء بمثله ثم هاهنا دقيقة وهي أنه إذا لم يمكن استيفاء الحق إلا باستيفاء الزيادة فههنا وقع التعارض بين إلحاق زيادة الضرر بالجاني وبين منع المجني عليه من استيفاء حقه فأيهما أولى فههنا محل اجتهاد المجتهدين ويختلف ذلك باختلاف الصور وتفرع على هذا الأصل بعض المسائل تنبيهاً على الباقي
المثال الأول احتج الشافعي رضي الله عنه على أن المسلم لا يقتل بالذمي وأن الحر لا يقتل بالعبد بأن قال المماثلة شرط لجريان اللقصاص وهي مفقودة في هاتين المسألتين فوجب أن لا يجري القصاص


الصفحة التالية
Icon