المثال التاسع منافع الغضب مضمونة عند الشافعي رضي الله عنه والدليل عليه أن الغاضب فوت على المالك منافع تقابل في العرب بدينار فوجب أن يفوت على الغاضب مثله من المال لقوله تعالى وَجَزَاء سَيّئَة ٍ سَيّئَة ٌ وكل من أوجب تفويت هذا القدر على الغاضب قال بأنه يجب أداؤه إلى المغصوب منه
المثال العاشر الحر لا يقتل بالعبد قصاصاً لأنه لو قتل بالعبد هو مساوياً للعبد في المعاني الموجبة للقصاص لقوله الْقَرَارِ مَنْ عَمِلَ سَيّئَة ً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ( غافر ٤٠ ) ولسائر النصوص التي تلوناها ثم إن عبده يقتل قصاصاً بعبد نفسه فيجب أن يكون عبد غيره مساوياً لعبد نفسه في المعاني الموجبة للقصاص لعين هذه النصوص التي ذكرناها فعلى هذا التقدير يكون عبد نفسه مساوياً لعبد غيره في المعاني الموجبة للقصاص فكان عبد نفسه مثلاً لمثل نفسه ومثل المثل مثل فوجب كون عبد نفسه مثلاً لنفسه في المعاني الموجبة للقصاص ولو قتل الحر بعبد غيره لقتل بعبد نفسه بالبيان الذي ذكرناه ولا يقتل بعبد نفسه فوجب أن لا يقتل بعبد غيره فقد ذكرنا هذه الأمثلة العشرة في التفريع على هذه الآية ومن أخذت الفطانة بيده سهل عليه تفريع كثير من مسائل الشريعة على هذا الأصل والله أعلم ثم ههنا بحث وهو أن أبا حنيفة رضي الله عنه قال في قطع الأيدي لا شك أنه صدر كل القطع أو بعضه عن كلهم أو عن بعضهم إلا أنه لا يمكن استيفاء ذلك الحق إلا باستيفاء الزيادة لأن تفويت عشرة من الأيدي أزيد من تفويت يد واحدة فوجب أن يبقى على أصل الحرمة فقال الشافعي رضي الله عنه لو كان تفويت عشرة من الأيدي من الأويدي في مقابلة يد واحدة حراماً لكان تفويت عشرة من النفوس في مقابلة نفس واحدة حراماً لأن تفويث النفس يشتمل على تفويث اليد فتفويت عشرة من النفوس في مقابلة النفس الواحدة يوجب تفويت عشرة من الأيدي في مقابلة اليد الواحدة فلو كان تفويت عشرة من الأيدي في مقابلة اليد الواحدة حراماً لكان تفويت عشرة من النفوس لأجل النفس الواحدة مشتملاً على الحرام وكل ما اشتمل على الحرام فهو حرام فكان يجب أن يحرم قتل النفوس العشرة في مقابلة النفس الواحدة وحيث أجمعنا على أنه لا يحرم علمنا أن ما ذكرتم من استيفاء الزيادة غير ممنوع منه شراً والله أعلم
المسألة الثالثة قد بينا أن قوله وَجَزَاء سَيّئَة ٍ سَيّئَة ٌ مّثْلُهَا يتقضي وجوب رعاية المماثلة مطلقاً في كل الأحوال إلا فيما خصه الدليل والفقهاء أدخلوا التخصيص فيه في صور كثيرة فتارة بناء على نص آخر أخس منه وأخرى بناء على القياس ولا شك أن من اعدى التخصيص فعليه البيان والمكلف يكفيه أن يتمسك بهذا النص في جميع المطالب قال مجاهد والسدي إذا قال له أخزاه الله فليقل له أخزاه الله أما إذا قذفه قذفاً يوجب الحد فليس له ذلك بل الحد الذي أمر الله به
ثم قال تعالى فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء كما قال تعالى فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَة ٌ كَأَنَّهُ وَلِى ٌّ حَمِيمٌ ( فصلت ٣٤ ) ( فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وهو وعد مبهم لا يقاس أمره في التعظيم
ثم قال تعالى إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وفيه قولان الأول أن المقصود منه التنبيه على أن المجني عليه لا يجوز له استيفاء الزيادة من الظالم لأن الظالم فيما وراء ظلمه معصوم والانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز التسوية والتعدي خصوصاً في حال الحرب والتهاب الحمية فربما صار المظلوم عند الإقدام على استيفاء القصاص ظالماً وعن النبي ( ﷺ ) ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم قال


الصفحة التالية
Icon