في قوم آخرين ولما وصف الله تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال وَقَالَ الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ قال صاحب ( الكشاف ) يَوْمُ الْقِيَامَة ِ إما أن يتعلق بخسروا أو يكون قول المؤمنين واقعاً في الدنيا وإما أن يتعلق بقال أي يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة
ثم قال أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ أي دائم قال القاضي وهذا يدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما والجواب أن لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكفر قال تعالى وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( البقرة ٢٥٤ ) والذي يؤكد هذا أنه تعالى قال بعده هذه الآية وَمَا كَانَ لَهُم مّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مّن اللَّهِ والمعنى أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لأجل أن تشفع لهم عند الله تعالى ما أتوا بتلك الشفاعة ومعلوم أن هذا لا يليق إلا بالكفار ثم قال وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ وذلك يدل على أن المضل والهادي هو الله تعالى على ما هو قولنا ومذهبنا والله أعلم
اسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِى َ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلَاغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَة ً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَة ٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
اعلم أنه تعالى لما أطنب في الوعد والوعيد ذكر بعده ما هو المقصود فقال اسْتَجِيبُواْ لِرَبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِى َ يَوْمٌ لاَّ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ وقوله مِنَ اللَّهِ يجوز أن يكون صلة لقوله لاَّ مَرَدَّ لَهُ يعني لا يرده الله بعد ما حكم به ويجوز أن يكون صلة لقوله يَأْتِى َ أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده واختلفوا في المراد بذلك اليوم فقيل يوم ورود الموت وقيل يوم القيامة لأنه وصف ذلك اليوم بأنه لا مرد له وهذا الوصف موجود في كلا اليومين ويحتمل أن يكون معنى قوله لاَّ مَرَدَّ لَهُ أنه لا يقبل التقديم والتأخير أو أن يكون معناه أن لا مرد فيه إلى حال التكليف حتى يحصل فيه التلافي
ثم قال تعالى في وصف ذلك اليوم مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ ينفع في التخلص من العذاب وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ ممن ينكر ذلك حتى يتغير حالكم بسبب ذلك المنكر ويجوز أن يكون المراد من النكير الإنكار أي لا تقدرون أن تنكروا شيئاً مما افترفتموه من الأعمال فَإِنْ أَعْرَضُواْ أي هؤلاء الذين أمرتهم بالاستجابة أي لم