أي صلاتكم الثاني أن يحمل هذا على حذف المضاف أي ما كنت تدري ما الكتاب ومن أهل الإيمان يعني من الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن الثالث ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان حين كنت طفلاً في المهد الرابع الإيمان عبارة عن الإقرار بجميع ما كلف الله تعالى به وإنه قبل النبوّة ما كان عارفاً بجميع تكاليف الله تعالى بل إنه كان عارفاً بالله تعالى وذلك لا ينافي ما ذكرناه الخامس صفات الله تعالى على قسمين منها ما يمكن معرفته بمحض دلائل العقل ومنها ما لا يمكن معرفته إلا بالدلائل السمعية فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوّة
ثم قال تعالى وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا واختلفوا في الضمير في قوله وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ منهم من قال إنه راجع إلى القرآن دون الإيمان لأنه هو الذي يعرف به الأحكام فلا جرم شبه بالنور الذي يهتدي به ومنهم من قال إنه راجع إليهما معاً وحسن ذلك لأن معناهما واحد كقوله تعالى وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَة ً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا ( الجمعة ١١ )
ثم قال نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وهذا يدل على أنه تعالى بعد أن جعل القرآن نفسه في نفسه هدى ً كما قال هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ( البقرة ٢ ) فإنه قد يهدي به البعض دون البعض وهذه الهداية ليست إلا عبارة عن الدعوة وإيضاح الأدلة لأنه تعالى قال في صفة محمد ( ﷺ ) وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ وهو يفيد العموم بالنسبة إلى الكل وقوله نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا يفيد الخصوص فثبت أن الهداية بمعنى الدعوة عامة والهداية في قوله نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا خاصة والهداية الخاصة غير الهداية العامة فوجب أن يكون المراد من قوله نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا أمراً مغايراً لإظهار الدلائل ولإزالة الأعذار ولا يجوز أيضاً أن يكون عبارة عن الهداية إلى طريق الجنّة لأنه تعالى قال وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من نشاء وهذا لا يليق إلا بالهداية التي تحصل في الدينا وأيضاً فالهذاية إلى الجنّة عندكم في حق البعض واجب وفي حق الآخرين محظور وعلى التقديرين فلا يبقى لقوله مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا فائدة فثبت أن المراد أنه تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء ولا اعتراض عليه فيه
ثم قال تعالى لمحمد ( ﷺ ) وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ فبيّن تعالى أنه كما أن القرآن يهدي فكذلك الرسول يهدي وبيّن أنه يهدي إلى صراط مستقيم وبيّن أن ذلك الصراط هو صِراطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاْرْضِ نبّه بذلك على أن الذي تجوز عبادته هو الذي يملك السموات والأرض والغرض منه إبطال قول من يعبد غير الله
ثم قال أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الاْمُورُ وذلك كالوعيد والزجر فبيّن أن أمر من لا يقبل هذه التكاليف يرجع إلى الله تعالى أي إلى حيث لا حاكم سواه فيجازي كلاً منهم بما يستحقه من ثواب أو عقاب