جملة كلام الكفار ولوجب أن يقولوا الذي جعل لنا الأرض مهداً ولأن قوله في أثناء الكلام فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَة ً مَّيْتاً لا يتعلق إلا بكلام الله ونظيره من كلام الناس يأن يسمع الرجل رجلاً يقول الذي بنى هذا المسجد فلان العالم فيقول السامع لهذا الكلام الزاهد الكريم كأن ذلك السامع يقول أنا أعرفه بصفات حميدة فوق ما تعرفه فأزيد في وصفه فيكون النعتان جميعاً من رجلين لرجل واحد إذا عرفت كيفية النظم في الآية فنقول إنها تدل على أنواع من صفات الله تعالى
الصفة الأولى كونه خالقاً للسموات والأرض والمتكلمون بينوا أن أول العمل بالله العلم بكونه محدثاً للعالم فاعلاً له فلهذا السبب وقع الابتداء بذكر كونه خالقاً وهذاإنما يتم إذا فسرنا الخلق بالإحداث والإبداع
الصفة الثانية العزيز وهو الغالب وما لأجله يحصل المكنة من الغلبة هو القدرة وكان العزيز إشارة إلى كمال القدرة
الصفة الثالثة العليم وهو إشارة إلى كمال العلم واعلم أن كمال العلم والقدرة إذا حصل كان الموصوف به قادراً على خلق جميع الممكنات فلهذا المعنى أثبت تعالى كونه موصوفاً بهاتين الصفتين ثم فرع عليه سائر التفاصيل
الصفة الرابعة قوله الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاْرْضَ مَهْداً وقد ذكرنا في هذا الكتاب أن كون الأرض مهداً إنما حصل لأجل كونها واقفة ساكنة ولأجل كونها موصوفة بصفات مخصوصة باعتبارها يمكن الانتفاع بها في الزراعة وبناء الأبنية في كونها ساترة لعيوب الأحياء والأموات ولما كان المهد موضع الراحة للصبي جعل الأرض مهداً لكثرة ما فيها من الراحات
الصفة الخامسة قوهل وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً والمقصود أن انتفاع الناس إنما يكمل إذا قدر كل أحد أن يذهب من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم ولولا أن الله تعالى هيأ تلك السبل ووضع عليها علامات مخصوصة وإلا لما حصل هذا الانتفاع
ثم قال تعالى لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ يعني المقصود من وضع السبل أن يحصل لكم المكنة من الاهتداء والثاني المعنى لتهتدوا إلى الحق في الدين
الصفة السادسة قوله تعالى وَالَّذِى نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَة ً مَّيْتاً وههنا مباحث أحدها أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن الماء ينزل من السماء فهل الأمر كذلك أو يقال إنه ينزل من السحاب وسمي نازلاً من السماء لأن كل ماسماك فهو سماء وهذا البحث قد مرّ ذكره بالاستقصاء وثانيها قوله بِقَدَرٍ أي إنما ينزل من السماء بقدر ما يحتاج إليه أهل تلك البقعة من غير زيادة ولا نقصان لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم بل يقدر حتى يكون معاشاً لكم ولأنعامكم وثالثها قوله فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَة ً مَّيْتاً أي خالية من النبات فأحييناها وهو الإنشار
ثم قال كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ يعني أن هذا الدليل كما يدل على قدرة الله وحكمته فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة ووجه التشبيه أنه يجعلهم أحياء بعد الإماتة كهذه الأرض التي أنشرت بعد ما كانت


الصفحة التالية
Icon