قوله وَزُخْرُفاً قولان قيل لجعلنا لبيوتهم سقفاً من فضة ولجعلنا لهم زخرفاً وقيل من فضة وزخرف فلما حذف الخافض انتصب وأما قوله وَإِن كُلُّ ذَلِكَ وَأَبْقَى قَالُواْ لَن قرأ عاصم وحمزة لَّمّاً بتشديد الميم والباقون بالتخفيف وأما قراءة حمزة بالتشديد فإنه جعل لما في معنى إلا وحكى سيبويه نشدتك بالله لما فعلت بمعنى إلا فعلت ويقوي هذه القراءة أن في حرف أبي وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا وهذايدل على أن لما بمعنى إلا وأما القراءة بالتخفيف فقال الواحدي لفظة ما لغو والتقدير لمتاع الحياة الدنيا قال أبو الحسن الوجه التخفيف لأن لما بمعنى إلا لا تعرف وحكي عن الكسائي أنه قال لا أعرف وجه التثقيل
المسألة الرابعة قالت المعتزلة دلت الآية على أنه تعالى إنما لم يعط الناس نعم الدنيا لأجل أنه لو فعل بهم ذلك لدعاهم ذلك إلى الكفر فهو تعالى لم يفعل بهم ذلك لأجل أن يدعوهم إلى الكفر وهذا يدل على أحكام أحدها أنه إذا لم يفعل بهم ما يدعوهم إلى الكفر فلأن لا يخلق فيهم الكفر أولى وثانيها أنه ثبت أن فعل اللطلفل قائم مقام إزاحة العذر والعلة فلما بيّن تعالى أنه لم يفعل ذلك إزاحة للعذر والعلة عنهم دل ذلك على أنه يجب أن يفعل بهم كل ما كان لطفاً داعياً لهم إلى الإيمان فصارت هذه الآية من هذا الوجه دالة على أنه يجب على الله تعالى فعل اللطف وثالثها أنه ثبت بهذه الآية أن الله تعالى إنما يفعل ما يفعله ويترك ما يتركه لأجل حكمة ومصلحة وذلك يدل على تعليل أحكام الله تعالى وأفعاله بالمصالح والعلل فإن قيل لما بيّن تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سبباً لاجتماع الناس على الكفر فلم لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير ذلك سبباً لاجتماع الناس على الإسلام قلنا لأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام لطلب الدنيا وهذا الإيمان إيمان المنافقين فكان الأصوب أن يضيق الأمر على المسلمين حتى أن كل من دخل الإسلام فإنما يدخل فيه لمتابعة الدليل ولطلب رضوان الله تعالى فحينئذ يعظم ثوابه لهذا السبب
ثم قال تعالى وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ والمراد منه التنبيه على آفات الدنيا وذلك أن من فاز بالمال والجاه صار كالأعشى عن ذكر الله ومن صار كذلك صار من جلساء الشياطين الضالين المضلين فهذا وجه تعلق هذا الكلام بما قبله قال صاحب ( الكشاف ) قرىء وَمَن يَعْشُ بضم الشين وفتحها والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشي وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به قيل عشى ونظيره عرج لمن به الآفة وعرج لمن مشى مشية العرجان من غير عرج قال الحطيئة
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
أي تنظر إليه نظر العشي لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء وقرىء يعشو على أن من موصولة غير مضنة معنى الشرط وحق هذا القارىء أن يرفع نُقَيّضْ ومعنى القراءة بالفتح ومن يعم عن ذكر الرحمن وهو القرآن كقوله صُمٌّ بُكْمٌ عُمْى ٌ ( البقرة ١٨ ) وأما القراءة بالضم فمعناها ومن يتعام عن ذكره أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتعامى كقوله تعالى وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ( النمل ١٤ ) و نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً قال مقاتل نضم إليه شيطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
ثم قال وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعني وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى والحق وذكر


الصفحة التالية
Icon