تعالى أن صممهم وعماهم إنما كان بسبب كونهم في ضلال مبين
ولما بيّن تعالى أن دعوته لا تؤثر في قلوبهم قال فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ يريد حصول الموت قبل نزول النقمة بهم فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ بعدك أو نرينك في حياتك ما وعدناهم من الذل والقتل فإنا مقتدرون على ذلك واعلم أن هذا الكلام يفيد كمال التسلية للرسول عليه السلام لأنه تعالى بيّن أنهم لا تؤثر فيهم دعوته واليأس إحدى الراحتين ثم بيّن أنه لا بد وأن ينتقم لأجله متهم إما حال حياته أو بعد وفاته وذلك أيضاً يوجب التسلية فبعد هذا أمره أن يستمسك بما أمره تعالى فقال فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِى َ إِلَيْكَ بأن تعتقد أنه حق وبأن تعمل بموجبه فإنه الصراط المستقيم الذي لا يميل عنه إلا ضال في الدين
ولما بيّن تأثير التمسك بهذا الدين فيمنافع الدين بيّن أيضاً تأثيره في منافع الدنيا فقال وَأَنَّهُ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ أي إنه يوجب الشرف العظيم لك ولقولنك حيث يقال إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله على رجل من قوم هؤلاء واعلم أن هذه الآية تدل على أن الإنسان لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل ولو لم يكن الذكر الجميل أمراً مرغوباً فيه لما منَّ الله به على محمد ( ﷺ ) حيث قال وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ولما طلبه إبراهيم عليه السلام حيث قال وَاجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الاْخِرِينَ ( الشعراء ٨٤ ) ولأن الذكر الجميل قائم مقام الحياة الشريفة بل الذكر أفضل من الحياة لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي أما أثر الذكر الجميل فإنه يحصل في كل مكان وفي كل زمان
ثم قال تعالى وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ وفيه وجوه الأول قال الكلبي تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل الثاني قال مقاتل المراد أن من كذب به يسأل لم كذبه فيسأل سؤال توبيخ الثالث تسألون هل عملتم بما دل عليه من التكاليف واعلم أن السبب الأقوى في إنكار الكفار لرسالة محمد ( ﷺ ) ولبغضهم له أنه كان ينكر عبادة الأصنام فبيّن تعالى أن إنكار عبادة الأصنام ليس من خواص دين محمد ( ﷺ ) بل كل الأنبياء والرسل كانوا مطبقين على إنكاره فقال وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءالِهَة ً يُعْبَدُونَ وفيه أقوال الأول معناه واسأل مؤمني أهل الكتاب أي أهل التوراة والإنجيل فإنهم سيخبرونك أنه لم يرد في دين أحد من الأنبياء عبادة الأصنام وإذا كان هذا الأمر متفقاً عليه بين كل الأنبياء والرسل وجب أن لا يجعلوه سبباً لبغض محمد ( ﷺ )
والقول الثاني قال عطاء عن ابن عباس ( لما أسرى به ( ﷺ ) إلى المسجد الأقصى بعث الله له آدم وجميع المرسلين من ولده فأذن جبريل ثم أقام فقال يا محمد تقدم فصل بهم فلما فرغ رسول الله ( ﷺ ) من الصلاة قال له جبريل عليه السلام واسأل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا الآية فقال ( ﷺ ) لا أسأل لأني لست شاكاً فيه )
والقول الثلث أن ذكر السؤال في موضع لا يمكن السؤال فيه يكون المراد منه النظر والاستدلال كقول من قال سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإنها إن لم تجبك جواباً أجابتك اعتباراً فههنا سؤال النبي ( ﷺ ) عن الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع فكان المراد منه انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبر فيها بفهمك والله أعلم


الصفحة التالية
Icon