فلا يكون هذا تقريراً للقصة ألبتة وهذا من نفائس الأبحاث والله أعلم
المسألة الثانية في تفسير الألفاظ ذكر تعالى أنه أرسل موسى بآياته وهي المعجزات التي كانت مع موسى عليه السلام إلى فرعون وملائه أي قومه فقال موسى إني رسول ربّ العالمين فلما جاءهم بتلك الآيات إذا هم منها يضحكون قيل إنه لما ألقى عصاه صار ثعباناً ثم أخذ فعاد عصاً كما كان ضحكوا ولم عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا فإن قيل كيف جاز أن يجاب عن لما بإذا الذي يفيد المفاجأة قلنا لأن فعل المفاجأة معها مقدر كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجأوا وقت ضحكهم
ثم قال وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَة ٍ إِلاَّ هِى َ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا فإن قيل ظاهر اللفظ يقتضي كون كل واحد منها أفضل من التالي وذلك محال قلنا إذا أُريد المبالغة في كون كل من تلك الأشياء بالغاً إلى أقصى الدرجات في الفضيلة فقد يذكر هذا الكلام بمعنى أنه لا يبعد في أناس ينظرون إليها أن يقول هذا إن هذا أفضل من الثاني وأن يقول الثاني لا بل الثاني أفضل وأن يقول الثالث أفضل وحينئذ يصير كل واحد من تلك الأشياء مقولاً فيه إنه أفضل من غيره
ثم قال تعالى وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي عن الكفر إلى الإيمان قالت المعتزلة هذا يدل على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل وأنه إنما أظهر تلك المعجزات القاهرة لإرادة أن يرجعوا من الكفر إلى الإيمان قال المفسرون ومعنى قوله وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ أي بالأشياء التي سلطها عليها كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس
ثم قال تعالى وَقَالُواْ يأَيُّهَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ فإن قيل كيف سموه بالساحر مع قولهم إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ قلنا فيه وجوه الأول أنهم كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لأنهم كانوا يستعظمون السحر وكما يقال في زماننا في العامل العجيب الكامل إنه أتى بالسحر الثاني وَقَالُواْ يأَيُّهَ السَّاحِرُ في زعم الناس ومتعارف قوم فرعون كقوله وَقَالُواْ يأَيُّهَا الَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ( الحجر ٦ ) أي نزل عليه الذكر في اعتقاده وزعمه الثالث أن قولهم إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ وقد كانوا عازمين على خلافه ألا ترى إلى قوله فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ فتسميتهم إياه بالسحر لا ينافي قولهم إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ثم بيّن تعالى أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا ذلك العهد
ولما حكى الله تعالى معاملة فرعون مع موسى حكى أيضاً معاملة فرعون معه فقال وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ والمعنى أنه أظهر هذا القول فقال قَالَ يَاءادَمُ قَوْمٌ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَاذِهِ الاْنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى يعني الأنهار التي فصلوها من النيل ومعظمها أربعة نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس قيل كانت تجري تحت قصره وحاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله وقوة جاهه على فضيلة نفسه
ثم قال أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ وعنى بكونه مهيناً كونه فقيراً ضعيف الحال وبقوله وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ حبسة كانت في لسانه واختفلوا في معنى أم ههنا فقال أبو عبيدة مجازها بل أنا خير وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله أَفلاَ تُبْصِرُونَ ثم ابتدأ فقال أَمْ أَنَا خَيْرٌ بمعنى بل أنا خير وقال الباقون أم هذه متصلة لأن المعنى أفلا تبصرون أم تبصرون إلا أنه وصع قوله أَنَا خَيْرٌ موضع تبصرون لأنهم إذا قالوا له أنت خير فهم عنده بصراء وقال آخرون إن تمام الكلام عند قوله أَمْ وقوله


الصفحة التالية
Icon