المكذبين لوقلكم بإضافة الولد إليه ولقائل أن يقول إما أن يكون تقدير الكلام إن يثبت للرحمن ولد في نفس الأمر فأنا أول المنكرين له أو يكون التقدير إن يثبت لكم ادعاء أن للرحمن ولداً فأنا أول المنكرين له والأول باطل لأن ثبوت الشيء في نفسه لا يقتضي كون الرسول منكراً له لأن قوله إن كان الشيء إثباتاً في نفسه فأنا أول المنكرين يقتضي إصراره على الكذب والجهل وذلك لا يليق بالرسول والثاني أيضاً باطل لأنهم سواء أثبتوا لله ولداً أو لم يثبتوه له فالرسول منكر لذلك الولد فلم يكن لزعمهم تأثير في كون الرسول منكراً لذلك الولد فلم يصلح جعل زعمهم إثبات الولد مؤثراً في كون الرسول منكراً للولد
الوجه الثاني قالوا معناه إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتدت أنفته فهو عبد وعابد وقرأ بعضهم ( عبدين )
واعلم أن السؤال المذكور قائم ههنا لأنه إن كان المراد إن كان للرحمن ولد في نفس الأمر فأنا أول الآنفين من الإقرار به فهذا يقتضي الإصرار على الجهل والكذب وإن كن المرد إن كان للرحمن ولد في زعمكم واعتقادكم فأنا أول الآنفين فهذا التعليق فاسد لأن هذه الأنفة حاصلة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل وإذا كان الأمر كذلك لم يكن هذا التعليق جائزاً
والوجه الثالث قال بعضهم إن كلمة إن ههنا هي النفية والتقدير ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له
واعلم أن التزام هذه الوجوه البعيدة إنما يكون للضرورة وقد بينا أنه لا ضرورة ألبتة فلم يجز المصير إليها والله أعلم
ثم قال سبحانه وتعالى سُبْحَانَ رَبّ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ رَبّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ والمعنى أن إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته وكل ما كان كذلك فهو فرد مطلق لا يقبل التجزأ بوجه من الوجوه والولد عبارة عن أن ينفصل عن الشيء جزء من أجزائه فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله وهذا إنما يعقل فيما تكون ذاته قابلة للتجزىء والتبعيض وإذا كان ذلك محالاً في حق إله العالم امتنع إثبات الولد له ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّى يُلَاقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ والمقصود منه التهديد يعني قد ذكرت الحجة القاطعة على فساد ما ذكروا وهم لم يلتفتوا إليها لأجل كونهم مستغرقين في طلب المال والجاه والرياسة فاتركهم في ذلك الباطل واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الذي وعدوا فيه بما وعدوا والمقصود منه التهديد
ثم قال تعالى وَهُوَ الَّذِى فِى السَّماء إِلَاهٌ وَفِى الاْرْضِ إِلَاهٌ وفي أبحاث
البحث الأول قال أبو علي نظرت فيما يرتفع به إله فوجدت ارتفاعه يصح بأن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير وهو الذي في السماء هو إله
والبحث الثاني هذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر في المساء لأنه تعالى بيّن بهذه الآية أن نسبته إلى السماء بالإلهية كنسبته إلى الأرض فلما كان إلهاً للأرض مع أنه غير مستقر فيها فكذلك يجب أن يكون إلهاً للسماء مع أنه لا يكون مستقراً فيها فإن قيل وأي تعلق لهذا الكلام بنفي الولد عن الله


الصفحة التالية
Icon