اعلم أنه تعالى لما بين أن كفار مكة مصرون على كفرهم بين أن كثيراً من المتقدمين أيضاً كانوا كذلك فبين حصول هذه الصفة في أكثر قوم فرعون قال صاحب ( الكشاف ) قرىء وَلَقَدْ فَتَنَّا بالتشديد للتأكيد قال ابن عباس ابتلينا وقال لازجاج بلونا والمعنى عاملناهم معاملة المختبر ببعث الرسول إليهم وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ وهو موسى واختلفوا في معنى الكريم ههنا فقال الكلبي كريم على ربه يعني أنه استحق على ربه أنواعاً كثيرة من الإكرام وقال مقاتل حسن الخلق وقال الفراء يقل فلان كريم قومه لأنه قال ما بعث رسول ألا من أشراف قومه وكرامهم
ثم قال أَنْ أَدُّواْ إِلَى عَبْداً اللَّهِ وفي أن قولان الأول أنها أن المفسرة وذلك لأن مجيء الرسول إلى من بعث إليهم متضمن لمعنى القول لأنه لا يجيئهم إلا مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله الثاني أنها المخففة من الثقيلة ومعناه وجاءهم بأن الشأن والحديث أدواء وعبدا الله مفعول به وهم بنو إسرائيل يقول أدوهم إلى وأرسلوهم معي وهو كقوله فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْراءيلَ وَلاَ تُعَذّبْهُمْ ( طه ٤٧ ) ويجوز أيضاً أن يكون نداء لهم والتقدير أدوا إلى عباد الله ما هو واجب عليكم من الإيمان وقبول دعوتي وأتباع سبيلي وعلل ذلك بأنه رَسُولٌ أَمِينٌ قد ائتمنه الله على وحيه ورسالته وأن لا تعلوا أن هذه مثل الأول في وجيهيها أي لا تتكبروا على الله بإهانة وحيه ورسلوه وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى بحجة بينة يعترف بصحتها كل عاقل وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ قيل المراد أن تقتلون وقيل أَن تَرْجُمُونِ بالقول فتقولوا ساحر كذاب وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل ما أتيتكم به من الحجة فاللام في لي لام الأجل فَاعْتَزِلُونِ أي اخلوا سبيلي لا لي ولا علي
قل مصنف الكتاب رحمه الله تعالى إن المعتزلة يتصلفون ويقولون إن لفظ الاعتزال أينما جاء في القرآن كان المراد منه الاعتزال عن الباطل لا عن الحق فاتقف حضوري في بعض المحافل وذكر بعضهم هذا الكلام فأوردت عليه هذه الآية وقلت المراد الاعتزال في هذه الآية الاعتزال عن دين موسى عليه السلام وطريقته وذلك لا شك أنه اعتزال عن الحق فانقطع الرجل
ثم قال تعالى فَدَعَا رَبَّهُ الفاء في فدع تدل على أنه متصل بمحذوف قبله التأويل أنهم كفروا ولم يؤمنوا فدعا موسى ربه بأن هؤلاء قوم مجرمون فإن قالوا الكفر أعظم حال من الجرم فما السبب في أن جعل صفة الكفار كونهم مجرمين حل ما أراد المبالغة في ذمهم قلت لأن الكافر قد يكون عدلاً في دينه وقد يكون مجرماً في دينه وقد يكون فاسقاً في دينه فيكون أخس الناس قال صاحب ( الكشاف ) قرىء ( إن هؤلاء ) بالكسر على إضمار القول أي فدعا ربه فقال إن هؤلاء قوم مجرمون
ثم قال فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلاً قرأ بن كثير ونافع فَأَسْرِ موصولة بالألف والباقون مقطوعة لألف سرى وأسرى لغتان أي أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون أي يتبعكم فرعون وقومه ذلك سبباً


الصفحة التالية
Icon