بها المؤمن دون الكافر أضيف كونها آيات إلى المؤمنين ونظيره قوله تعالى هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ( البقرة ٢ ) فإنه هدى ً لكل الناس كما قال تعالى هُدًى لّلنَّاسِ ( البقرة ١٨٥ ) إلا أنه لما انتفع بها المؤمن خاصة لا جرم قيل هُدًى لّلْمُتَّقِينَ فكذا ههنا وقال الأصحاب الدليل والآية هو الذي يترتب على معرفته حصول العلم وذلك العلم إنما يحصل بخلق الله تعالى لا بإيجاب ذلك الدليل والله تعالى إنما خلق ذلك العلم للمؤمن لا للكافر فكان ذلك آية دليلاً في حق المؤمن لا في حق الكافر والله أعلم
ثم قال تعالى وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّة ٍ ءايَاتٌ لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وفيه مباحث
البحث الأول قال صاحب ( الكشاف ) قوله وَمَا يَبُثُّ عطف على الخلق المضاف لا على الضمير المضاف إليه لأن المضاف ضمير متصل مجرور والعطف عليه مستقبح فلا يقال مررت بك وزيد ولهذا طعنا في قراءة حمزة تَسَاءلُونَ بِهِ وَالاْرْحَامَ ( النساء ١ ) بالجر في قوله وَالاْرْحَامَ وكذلك إن الذيثن استقبحوا هذا العطف فلا يقولون مررت بك أنت وزيد
البحث الثاني قرأ حمزة الكسائي ءايَاتُ بكسر التاء وكذلك الذي بعده وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ ءايَاتٌ والباقون بالرفع فيهما أما الرفع فمن وجهين ذكرهما المبرد والزجاج وأبو علي أحدهما العطف على موضع إن وما عملت فيه لأن موضعهما رفع بالابتداء فيحمل الرفع فيه على الموضع كما تقول إن زيداً منطلق وعمر و أَنَّ اللَّهَ بَرِىء مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ( التوبة ٣ ) لأن معنى قوله أَنَّ اللَّهَ بَرِىء أن يقول الله برىء من المشركين ورسوله والوجه الثاني أن يكون قوله وَفِى خَلْقِكُمْ مستأنفاً ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة أخرى كما تقول إن زيداً منطلق وعمرو كاتب جعلت قولك وعمرو كاتب كلاماً آخر كما تقول زيد في الدار وأخرج غداً إلى بلد كذا فإنما حدثت بحديثين ووصلت أحدهما بالآخر بالواو وهذا الوجه هو اختيار أبي الحسن والفراء وأما وجه القراءة بالنصب فهو بالعطف على قوله إِنَّ فِى السَّمَاوَاتِ على معنى وإن في خلقكم لآيات ويقولون هذه القراءة إنها في قراءة أُبي وعبد الله لاَيَاتٍ ودخول اللام يدل على أن الكلام محمول على إن
البحث الثالث قوله وَفِى خَلْقِكُمْ معناه خلق الإنسان وقوله وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّة ٍ إشارة إلى خلق سائر الحيوانات ووجه دلالتها على وجود الإله القادر المختار أن الأجسام متساوية فاختصاص كل واحد من الأعضاء بكونه المعين وصفته المعينة وشكله المعين لا بد وأن يكون بتخصيص القادر المختار ويدخل في هذا الباب انتقاله من سن إلى سن آخر ومن حال إلى حال آخر والاستقصاء في هذا الباب قد تقدم
ثم قال تعالى وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وهذا الاختلاف يقع على وجوه أحدها تبدل النهار بالليل وبالضد منه وثانيها أنه تارة يزداد طول النهار على طول الليل وتارة بالعكس وبمقدار ما يزداد في النهار الصيفي يزداد في الليل الشتوي وثالثها اختلاف مطالع الشمس في أيام السنة
ثم قال تعالى وَمَا أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مَّن رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وهو يدل على القول بالفاعل المختار من وجوه أحدها إنشاء السحاب وإنزال المطر منه وثانيها تولد النبات من تلك الحبة الواقعة في الأرض وثالثها تولد الأنواع المختلفة وهي ساق الشجرة وأغصانها وأوراقها وثمارها ثم تلك الثمرة منها ما يكون القشر محيطاً باللب كالجوز واللوز ومنها ما يكون اللب محيطاً بالقشر كالمشمش والخوخ ومنها ما يكون خالياً من القشر كالتين فتولد أقسام النبات على كثرة أصنافها وتباين أقسامها يدل على صحة القول بالفاعل المختار الحكيم الرحيم


الصفحة التالية
Icon