ثم قال تعالى أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ أولئك إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله جميع الأفاكين ثم وصف كيفية ذلك العذاب المهين فقال مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ أي من قدامهم جهنم قال صاحب ( الكشاف ) الوراء اسم للجهة التي توارى بها الشخص من خلف أو قدام ثم بيّن أن ما ملكوه في الدنيا لا ينفعهم فقال وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً
ثم بيّن أن أصنامهم لا تنفعهم فقال وَلاَ مَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء
ثم قال وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ فإن قالوا إنه قال قبل هذه الآية لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ فما الفائدة في قوله بعده وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ قلنا كون العذاب مهيناً يدل على حصول الإهانة مع العذاب وكونه تظيماً يدل على كونه بالغاً إلى أقصى الغايات في كونه ضرراً
ثم قال هَاذَا هُدًى أي كامل في كونه هدى ً وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِئَايَاتِ رَبّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ والرجز أشد العذاب بدلالة قوله تعالى فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ السَّمَاء ( القرة ٥٩ ) وقوله لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرّجْزَ ( الأعراف ١٣٤ ) وقرىء أَلِيمٌ بالجر والرفع أما الجر فتقديره لهم عذاب من عذاب أليم وإذاكان عذابهم من عذاب أليم كان عذابهم أليماً ومن رفع كان المعنى له عذاب أليم ويكون المراد من الرجز الرجس الذي هو النجاسة ومعنى النجاسة فيه قوله وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ ( إبراهيم ١٦ ) وكأن المعنى لهم عذاب من تجرع رجس أو شرب رجس فتكون من تبييناً للعذاب
اللَّهُ الَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِى َ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِى َ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
اعلم أنه تعالى ذكر الاستدلال بكيفية جريان الفلك على وجه البحر وذلك لا يحصل إلا بسبب تسخير ثلاثة أشياء أحدها الرياح التي تجري على وفق المراد ثانيها خلق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها الفلك ثالثها خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تغوص فيه
وهذه الأحوال الثلاثة لا يقدر عليها واحد من البشر فلا بد من موجد قادر عليها وهو الله سبحانه وتعالى وقوله وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ معناه إما بسبب التجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان أو لأجل استخراج اللحم الطري


الصفحة التالية
Icon