معجزات موسى عليه السلام
ثم قال تعالى فَمَا اخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وهذا مفسر في سورة حم عسق ( الشورى ١ ٢ ) والمقصود من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة لأن حصول العم يوجب ارتفاع الخلاف وههنا صار مجيء العلم سبباً لحصول الاختلاف وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم وإنما المقصود منه طلب الرياسة والتقدم ثم ههنا احتمالات يريد أنهم علموا ثم عاندوا ويجوز أن يريد بالعلم الدلالة التي توصل إلى العلم والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لو تأملوا فيها لعرفوا الحق لكنهم على وجه الحسد والعناد اختلفوا وأظهروا النزاع
ثم قال تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ والمرد أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها فإنه سيرى في الآخرة ما يسؤوه وذلك كالزجر لهم ولما بيّن تعالى أنهم أعرضوا عن الحق لأجل البغي والسحد أمر رسوله ( ﷺ ) بأن يعدل عن تلك الطريقة وأن يتمسك بالحق وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق وتقرير الصدق فقال تعالى ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَة ٍ مّنَ الاْمْرِ أي على طريقة ومنهاج من أمر الدين فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والبينات ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال وأديانهم المبنية على الأهواء والجهل قال الكلبي إن رؤساء قريش قالوا للنبي ( ﷺ ) وهو بمكة ارجع إلى ملة آبائك فهم كانوا أفضل منك وأسن فأنزل الله تعالى هذه الآية
ثم قال تعالى إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي لو ملت إلى أديانهم الباطلة فصرت مستحقاً للعذاب فهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك ثم بيّن تعالى أن الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا وفي الآخرة ولا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب وأما المتقون لامهتدون فالله وليهم وناصرهم وهم موالوه وما أبين الفرق بين الولايتين ولما بيّن الله تعالى هذه البيانات الباقية النافعة قال هَاذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَة ً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وقد فسرناه في آخر سورة الأعراف والمعنى هذا القرآن بصائر للناس جعل ما فيه من البيانات الشافية والبينات الكافية بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل في سائر الآيات روحاً وحياة وهو هدى من الضلالة ورحمة من العذاب لمن آمن وأيقن ولم بيّن لله تعالى الفرق بين الظالمين وبين المتقين من الوجه الذي تقدم بيّن الفرق بينهما من وجه آخر فقال مَا يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاواتِ وَالاْرْضَ بِالْحَقّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا وفيه مباحث
البحث الأول أَمْ كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفاً على شيء آخر سواء كان ذلك المعطوف مذكوراً أو مضمراً والتقدير ههنا أفيعلم المشركون هذا أم يحسبون أنا نتولاهم كما نتولى المتقين
البحث الثاني الاجتراح الاكتساب ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله أي كاسبهم قال تعالى وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ( الأنعام ٦٠ )
البحث الثالث قال الكلبي نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم وفي ثلاثة من المشركين عتبة وشيبة والوليد بن عتبة قالوا للمؤمنين وا ما أنتم على شيء ولو كان ما


الصفحة التالية
Icon