( الكهف ٤٩ ) والظاهر أنه يدخل فيه المؤمنون والكافرون لقوله تعالى بعد ذلك فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ
ثم قال تعالى وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فإن قيل الجثو على الركبة إنما يليق بالخائف والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة قلنا إن المحق الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذه الحالة إلى أن يظهر كونه محقاً
ثم قال تعالى الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ والتقدير يقال لهم اليوم تجزون فإن قيل كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله تعالى قلنا لا منافاة بين الأمرين لأنه كتابهم بمعنى أنه الكتاب المشتمل على أعمالهم وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه يَنطِقُ عَلَيْكُم أي يشهد عليكم بما عملتم من غير زيادة ولا نقصان إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ الملائكة مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ أي نستكتبهم أعمالكم
ثم بيّن أحوال المطيعين فقال فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ وفيه مسائل
المسألة الأولى ذكر بعد وصفهم بالإيمان كونهم عاملين للصالحات فوجب أن يكون عمل الصالحات مغايراً للإيمان زائداً عليه
المسألة الثانية قالت المعتزلة علق الدخول في رحمة الله على كونه آتياً بالإيمان والأعمال الصالحة والمعلق على مجموع أمرين يكون عدماً عند عدم أحدهما فعند عدم الأعمال الصالحة وجب أن لا يحصل الفوز بالجنة وجوابنا أن تعليق الحكم على الوصف لا يدل على عدم الحكم عند عدم الوصف
المسألة الثالثة سمى الثواب رحمة والرحمة إنما تصح تسميتها بهذا الاسم إذا لم تكن واجبة فوجب أن لا يكون الثواب واجباً على الله تعالى
ثم قال تعالى وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءايَاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ وفيه مسائل
المسألة الأولى ذكر الله المؤمنين والكافرين ولم يذكر قسماً ثالثاً وهذا يدل على أن مذهب المعتزلة إثبات المنزلتين باطل
المسألة الثانية أنه تعالى علل أن استحقاق العقوبة بأن آياته تليت عليهم فاستكبروا عن قبولها وهذا يدل على استحقاق العقوبة لا يحصل إلا بعد مجيء الشرع وذلك يدل على أن الواجبات لا تجب إلا بالشرع خلافاً لما يقوله المعتزلة من أن بعض الواجبات قد يجب بالعقل
المسألة الثالثة جواب أَمَّا محذوف والتقدير وأما الذين كفروا فيقال لهم أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم عن قبول الحق وكنتم قوماً مجرمين فإن قالوا كيف يحسن وصف الكافر بكونه مجرماً في معرض الطعن فيه والذم له قلنا معناه أنهم مع كونهم كفاراً ما كانوا عدولاً في أديان أنفسهم بل كانوا فساقاً في ذلك الدين والله أعلم


الصفحة التالية
Icon