منسياً فجمع الله تعالى عليهم من وجوه العذاب الشديد ثلاثة أشياء فأولها قطع رحمة الله تعالى عنهم بالكلية وثانيها أنه يصير مأواهم النار وثالثها الاستغراق في حب الدنيا والإعراض بالكلية عن الآخرة وهو المراد من قوله تعالى وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَواة ُ الدُّنْيَا
ثم قال تعالى فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا قرأ حمزة والكسائي يُخْرِجُونَ بفتح الياء والباقون بضمها وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه ولما تم الكلام في هذه المباحث الشريفة الروحانية ختم السورة بتحميد الله تعالى فقال فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبّ السَّمَاوَاتِ وَرَبّ الاْرْضِ رَبّ الْعَالَمِينَ أي فاحمدوا الله الذي هو خالق السموات والأرض بل خالق كل العالمين من الأجسام والأرواح والذوات والصفات فإنت هذه الربوبية توجب الحمد والثناء على كل أحد من المخلوقين والمربوبين
ثم قال تعالى وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وهذا مشعر بأمرين أحدهما أن التكبير لا بد وأن يكون بعد التحميد والإشارة إلى أن الحامدين إذا حمدوه وجب أن يقرفوا أنه أعلى وأكبر من أن يكون الحمد الذي ذكروه لائقاً بإنعامه بل هو أكبر من حمد الحامدين وأياديه أعلى وأجل من شكر الشاكرين والثاني أن هذا الكبرياء له لا لغيره لأن واجب الوجود لذاته ليس إلا هو
ثم قال تعالى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يعني أنه لكمال قدرته يقدر على خلق أي شيء أراد ولكمال حكمته يخص كل نوع من مخلوقاته بآثار الحكمة والرحمة والفضل والكرم وقوله وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يفيد الحصر فهذا يفيد أن الكامل في القدرة وفي الحكمة وفي الرحمة ليس إلا هو وذلك يدل على أنه لا إله للخلق إلا هو ولا محسن ولا متفضل إلا هو


الصفحة التالية
Icon