( سبأ ١٠ ) والله تعالى تجلى للجبل قال فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ( الأعراف ١٤٣ ) والله تعالى أنطق الأيدي والأرجل فقال يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( النور ٢٤ ) وإذ كان كذلك فكيف يستبعد أن يخلق الله في ذات السماء والأرض حياة وعقلاً وفهماً ثم يوجه الأمر والتكليف عليهما ويتأكد هذا الاحتمال بوجوه الأول أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره إلا إذا منع منه مانع وههنا لا مانع فوجب إجراؤه على ظاهره الثاني أنه تعالى أخبر عنهما فقال قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ وهذا الجمع جمع ما يعقل ويعلم الثالث قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الاْمَانَة َ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ( الأحزاب ٧٢ ) وهذا يدل على كونها عارفة بالله مخصوصة بتوجيه تكاليف الله عليها والإشكال عليه أن يقال المراد من قوله ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً الإتيان إلى الوجود والحدوث والحصول وعلى هذا التقدير فحال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة إذ لو كانت موجودة لصار حاصل هذا الأمر أن يقال يا موجود كن موجوداً وذلك لا يجوز فثبت أنها حال توجه هذا الأمر عليها كانت معدومة وإذا كانت معدومة لم تكن فاهمة ولا عارفة للخطاب فلم يجز توجيه الأمر عليها فإن قال قائل روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال قال سبحانه للسموات أطلعي شمسك وقمرك ونجومك وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك وكان الله تعالى أودع فيهما هذه الأشياء ثم أمرهما بإبرازها وإظهارها فنقول فعلى هذا التقدير لا يكون المراد من قوله أَتَيْنَا طَائِعِينَ حدوثهما في داتهما بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهرا ما كان مودعاً فيهما إلا أن هذا الكلام باطل لأنه تعالى قال فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ والفاء للتعقيب وذلك يدل على أن حدوث المسوات إنما حصل بعد قوله ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فهذا جملة ما يمكن ذكره في هذا البحث
القول الثاني أنقوله تعالى قَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ليس المراد منه توجيه الأمر والتكليف على السموات والأرض بل المراد منه أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما وكانتا في ذلك المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الأمير المطاع ونظيره قول القائل قال الجدار للوتد لم تشقني قال الوتد أسألمن يدقني فإن الحجر الذي ورائي ما خلاني ورائي
واعلم أن هذا عدول عن الظاهر وإنما جاز العدول عن الظاهر إذ قام دليل على أنه لا يمكن إجراؤه على ظاهره وقد بينا أن قوله ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً إنما حصل قبل وجودهما وإذا كان الأمر كذلك امتنع حمل قوله ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً على الأمر والتكليف فوجب حمله على ما ذكرنا
واعلم أن إثبات الأمر والتكليف فيهما مشروط بحصول المأمور فيهما وهذا يدل على أنه تعالى أسكن هذه السموات والملائكة أو أنه تعالى أمرهم بأشياء ونهاهم عن أشياء وليس في الآية ما يدل على أنه إنما خلق الملائكة مع السموات أو أنه تعالى خلقهم قبل السموات ثمإنه تعالى أسكنهم فيها وأيضاً ليس في الآية بيان الشرائع التي أمر الملائكة بها وهذه الأسرار لا تليق بعقول البشر بل هي أعلى من مصاعد أفهمامهم ومرامي أوهامهم ثم قال وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وهي النيرات التي خلقها في السموات وخص كل واحد بضوء معين وسر معين وطبيعة معينة لايعرفها إلا الله ثم قال وَحِفْظاً يعني وحفظناها حفظا يعني من الشياطين الذين يسرتقون السمع فأعد لكل شيطان نجماً يرميه به ولا يخطئه


الصفحة التالية
Icon