الآية نزلت بالمدينة وإن الله تعالى أمر رسوله ( ﷺ ) بأن يضعها في هذه السورة المكية في هذا الموضع المعين ولقائل أن يقول إن الحديث الذي رويتم عن عبد الله بن سلاّم مشكل وذلك لأن ظاهر الحديث يوهم أنه لما سأل النبي ( ﷺ ) عن المسائل الثلاثة وأجاب النبي ( ﷺ ) بتلك الجوابات من عبد الله بن سلاّم لأجل أن النبي ( ﷺ ) ذكر تلك الجوابات وهذا بعيد جداً لوجهين الأول أن الإخبار عن أول أشراط الساعة وعن أول طعام يأكله أهل الجنة إخبار عن وقوع شيء من الممكنات وما هذا سبيله فإنه لا يعرف كون ذلك الخبر صدقاً إلا إذا عرف أولاً كون المخبر صادقاً فلو أنا عرفنا صدق المخبر يكون ذلك الخبر صدقاً لزم الدور وإنه محال والثاني أنا نعلم بالضرورة أن الجوابات المذكورة عن هذه المسائل لا يبلغ العلم بها إلى حد الإعجاز ألبتة بل نقول الجوابات القاهرة عن المسائل الصعبة لما لم تبلغ إلى حد الإعجاز فأمثال هذه الجوابات عن هذه السؤالات كيف يمكن أن يقال إنها بلغت إلى حد الإعجاز والجواب يحتمل أنه جاء في بعض كتب الأنبياء المتقدمين أن رسول آخر الزمان يسأل عن هذه المسائل وهو يجيب عنها بهذه الجوابات وكان عبد الله بن سلام عالماً بهذا المعنى فلما سأل النبي ( ﷺ ) وأجاب بتلك الأجوبة عرف بهذا الطريق كونه رسولاً حقاً من عند الله وعلى هذا الوجه فلا حاجة بنا إلى أن نقول العلم بهذه الجوابات معجز والله أعلم
القول الثاني في تفسير قوله تعالى وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْراءيلَ أنه ليس المراد منه شخصاً معيناً بل المراد منه أن ذكر محمد ( ﷺ ) موجود في التوراة والبشارة بمقدمه حاصلة فيها فتقدير الكلام لو أن رجلاً منصفاً عارفاً بالتوراة أقر بذلك واعترف به ثم إنه آمن بمحمد ( ﷺ ) وأنكرتم ألستم كنتم ظالمين لأنفسكم ضالين عن الحق فهذا الكلام مقرر سواء كان المراد بذلك الشاهد شخصاً معيناً أو لم يكن كذلك لأن المقصود الأصلي من هذا الكلام أنه ثبت بالمعجزات القاهرة أن هذا الكتاب من عند الله وثبت أن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم محمد ( ﷺ ) ومع هذين الأمرين كيف يليق بالعقل إنكار نبوته
المسألة الثالثة قوله تعالى عَلَى مِثْلِهِ ذكروا فيه وجوهاً والأقرب أن نقول إنه ( ﷺ ) قال لهم أرأيتم إن كان هذا القرآن من عند الله كما أقول وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل ما قلت فآمن واستكبرتم ألستم كنتم ظالمين أنفسكم
ثم قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وفيه مسائل
المسألة الأولى أنه تهديد وهو قائم مقام الجواب المحذوف والتقدير قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به فإنكم لا تكونون مهتدين بل تكونون ضالين
المسألة الثانية قالت المعتزلة هذه الآية تدل على أنه تعالى إنما منعهم الهداية بناء على الفعل القبيح الذي صدر منهم أولاً فإن قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ صريح في أنه تعالى لا يهديهم لكونهم ظالمين أنفسهم فوجب أن يعتقدوا في جميع الآيات الواردة في المنع من الإيمان والهداية أن يكون الحال فيها كما ههنا والله أعلم
ثم قال تعالى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وفيه مسائل
المسألة الأولى هذه شبهة أخرى للقوم في إنكار نبوّة محمد ( ﷺ ) وفي سبب نزوله وجوه الأول أن


الصفحة التالية
Icon