لو كان يعتمد على قول التلاميذ لا تطمئن قلوبهم بالرجوع إليه أما إذا كان لا يذكر إلا من النقل الصحيح ويقرره بالدليل القوي يراجعه كل أحد فكذلك ههنا قال استرشدوه فإنه يعلم ولا يطيع أحداً فلا يوجد فيه حيف ولا يروج عليه زيف والذي يدل على أن المراد من قوله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ الاْمْرِ لَعَنِتُّمْ بيان أنه لا يطيعكم هو أن الجملة الشرطية في كثير من المواضع ترد لبيان امتناع لشرط لامتناع الجزاء كما في قوله تعالى لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة ٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ( الأنبياء ٢٢ ) وقوله تعالى وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ( النساء ٨٢ ) فإنه لبيان أنه ليس فيهما آلهة وأنه ليس من عند غير الله
ثم قال تعالى وَلَاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ إشارة إلى جواب سؤال يرد على قوله فَتَبَيَّنُواْ وهو أن يقع لواحد أن يقول إنه لا حاجة إلى المراجعة وعقولنا كافية بها أدركنا الإيمان وتركنا العصيان فكذلك نجتهد في أمورنا فقال ليس إدراك الإيمان بالاجتهاد بل الله بين البرهان وزين الإيمان حتى حصل اليقين وبعد حصول اليقين لا يجوز التوقف والله إنما أمركم بالتوقف عند تقليد قول الفاسق وما أمركم بالعناد بعد ظهور البرهان فكأنه تعالى قال توقفوا فيما يكون مشكوكاً فيه لكن الإيمان حببه إليكم بالبرهان فلا تتوقفوا في قبوله وعلى قولنا المخاطب بقوله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ هو المخاطب بقوله لَوْ يُطِيعُكُمْ إذا علمت معنى الآية جملة فاسمعه مفصلاً ولنفصله في مسائل
المسألة الأولى لو قال قائل إذا كان المراد بقوله وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ الرجوع إليه والاعتماد على قوله فلم لم يقل بصريح اللفظ فتبينوا وراجعوا النبي ( ﷺ ) وما الفائدة في العدول إلى هذا المجاز نقول الفائدة زيادة التأكيد وذلك لأن قول القائل فيما ذكرنا من المثال هذا الشيخ قاعد آكد في وجوب المراجعة إليه من قوله راجعوا شيخكم وذلك لأن القائل يجعل وجوب المراجعة إليه متفقاً عليه ويجعل سبب عدم الرجوع عدم علمهم بقعوده فكأنه يقول إنكم لا تشكون في أن الكاشف هو الشيخ وأن الواجب مراجعته فإن كنتم لا تعلمون قعدوه فهو قاعد فيجعل حسن المراجعة أظهر من أمر القعود كأنه يقول خفي عليكم قعوده فتركتم مراجعته ولا يخفى عليكم حسن مراجعته فيجعل حسن مراجعته أظهر من الأمر الحسي بخلاف ما لو قال راجعوه لأنه حينئذ يكون قائلاً بأنكم ما علمتم أن مراجعته هو الطريق وبين الكلامين بون بعيد فكذلك قوله تعالى وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ يعني لا يخفى عليكم وجوب مراجعته فإن كان خفي عليكم كونه فيكم فاعلموا أنه فيكم فيجعل حسن المراجعة أظهر من كونه فيهم حيث ترك بيانه وأخذ في بيان كونه فيهم وهذا من المعاني العزيزة التي توجد في المجازات ولا توجد في الصريح
المسألة الثانية إذا كان المراد من قوله لَوْ يُطِيعُكُمْ بيان كونه غير مطيع لأحد بل هو متبع للوحي فلم لم يصرح به نقول بيان نفي الشيء مع بيان دليل النفي أتم من بيانه من غير دليل والجملة الشرطية بيان النفي مع بيان دليله فإن قوله ( ليس فيهما آلهة ) لو قال قائل لم قلت إنه ليس فيهما آلهة يجب أن يذكر الدليل فقال لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَة ٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ( الأنبياء ٢٢ ) فكذلك ههنا لو قال لا يطيعكم وقال قائل لم لا يطيع لوجب أن يقال لو أطاعكم لأطاعكم لأجل مصلحتكم لكن لا مصلحة لكم فيه لأنكم تعنتون وتأثمون وهو يشق عليه عنتكم كما قال تعالى عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ( التوبة ١٢٨ ) فإن طاعتكم لا تفيده شيئاً فلا


الصفحة التالية
Icon