ثم قال تعالى وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ قال الزجاج الأجود أن يكون قوله وَبُشْرَى في موضع رفع والمعنى وهو بشرى للمحسنين قال ويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى لّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ وحاصل الكلام أن المقصود من إنزال هذا الكتاب إنذار المعرضين وبشارة المطيعين
إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّة ِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة ً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَى َّ وَعَلَى وَالِدَى َّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى إِنَّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيْئَاتِهِمْ فِى أَصْحَابِ الْجَنَّة ِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ
اعلم أنه تعالى لما قرر دلائل التوحيد والنبوّة وذكر شبهات المنكرين وأجاب عنها ذكر بعد ذلك طريقة المحقين والمحققين فقال إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ وقد ذكرنا تفسير هذه الكلمة في سورة السجدة والفرق بين الموضعين أن في سورة السجدة ذكر أن الملائكة ينزلون ويقولون أَن لا تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ ( فصلت ٣٠ ) وهاهنا رفع الواسطة من البين وذكر أنه لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ فإذا جمعنا بين الآيتين حصل من مجموعهما أن الملائكة يبلغون إليهم هذه البشارة وأن الحق سبحانه يسمعهم هذه البشارة أيضاً من غير واسطة
واعلم أن هذه الآيات دالة على أن من آمن بالله وعمل صالحاً فإنهم بعد الحشر لا ينالهم خوف ولا حزن ولهذا قال أهل التحقيق إنهم يوم القيامة آمنون من الأهوال وقال بعضهم خوف العقاب زائل عنهم أما خوف الجلال والهيبة فلا يزول ألبتة عن العبد ألا ترى أن الملائكة مع علو درجاتهم وكمال عصمتهم لا يزول الخوف عنهم فقال تعالى يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ( النحل ٥٠ ) وهذه المسألة سبقت بالاستقصاء في آيات كثيرة منها قوله تعالى لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاْكْبَرُ ( الأنبياء ١٠٣ )


الصفحة التالية
Icon