الضرب والشرب وفي الخفاء دون المرور فيجوز الإتيان فيه بدون الحرف لظهوره الذي فوق ظهور المرور ومع الحرف لكون الظهور دون ظهور الضرب ولهذا لا يجوز أن تقول ضربت بعمرو إلا إذا جعلته آلة الضرب أما إذا ضربته بسوط أو غيره فلا يجوز فيه زيادة الباء ولا يجوز مروا به إلا مع الاشتراك وتقول مسحته ومسحت به وشكرته وشكرت له لأن المسح إمرار اليد بالشيء فصار كالمرور والشكر فعل جميل غير أنه يقع بمحسن فالأصل في الشكر الفعل الجميل وكونه واقعاً بغيره كالبيع بخلاف الضرب فإنه إمساس جسم بجسم بعنف فالمضروب داخل في مفهوم الضرب أولاً والمشكور داخل في مفهوم الشكر ثانياً إذا عرفت هذا فالتكذيب في القائل ظاهر لأنه هو الذي يصدق أو يكذب وفي القول غير ظاهر فكان الاستعمال فيه بالباء أكثر والباء فيه لظهور معنى التعدية
وقوله لَمَّا جَاءهُمْ في الجائي وجهان أحدهما أنه هو المكذب تقديره كذبوا بالحق لما جاءهم الحق أي لم يؤخروه إلى الفكر والتدبر ثانيهما الجائي ههنا هو الجائي في قوله تعالى بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ ( ق ٢ ) تقديره كذبوا بالحق لما جاءهم المنذر والأول لا يصح على قولنا الحق وهو الرجع لأنهم لا يكذبون به وقت المجيء بل يقولون هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ ( ي س ٥٢ )
وقوله فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ أي مختلف مختلط قال الزجاج وغيره لأنهم تارة يقولون ساحر وأخرى شاعر وطوراً ينسبونه إلى الكهانة وأخرى إلى الجنون والأصح أن يقال هذا بيان الاختلاف المذكور في الآيات وذلك لأن قوله تعالى بَلْ عَجِبُواْ يدل على أمر سابق أضرب عنه وقد ذكرنا أنه الشك وتقديره والقرآن المجيد إنك لمنذر وإنهم شكوا فيك بل عجبوا بل كذبوا وهذه مراتب ثلاث الأولى الشك وفوقها التعجب لأن الشاك يكون الأمران عنده سيين والمتعجب يترجح عنده اعتقاد عدم وقوع العجيب لكنه لا يقطع به والمكذب الذي يجزم بخلاف ذلك فكأنهم كانوا شاكين وصاروا ظانين وصاروا جازمين فقال فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ ويدل عليه الفاء في قوله فَهُمُ لأنه حينئذ يصير كونهم فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ مرتباً على ما تقدم وفيما ذكروه لا يكون مرتباً فإن قيل المريج المختلط وهذه أمور مرتبة متميزة على مقتضى العقل لأن الشاك ينتهي إلى درجة الظن والظان ينتهي إلى درجة القطع وعند القطع لا يبقى الظن وعند لظن لا يبقى الشك وأما ما ذكروه ففيه يحصل الاختلاط لأنهم لم يكن لهم في ذلك ترتيب بل تارة كانوا يقولون كاهن وأخرى مجنون ثم كانوا يعودون إلى نسبته إلى الكهانة بعد نسبته إلى الجنون وكذا إلى الشعر بعد السحر وإلى السحر بعد الشعر فهذا هو المريج نقول كان الواجب أن ينتقلوا من الشك إلى الظن بصدقه لعلمهم بأمانته واجتنابه الكذب طول عمره بين أظهرهم ومن الظن إلى القطع بصدقه لظهور المعجزات القاهرة على يديه ولسانه فلما غيروا الترتيب حصل عليه المرج ووقع الدرك مع المرج وأما ما ذكروه فاللائق به تفسير قوله تعالى إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ( الذاريات ٨ ) لأن ما كان يصدر منهم في حقه كان قولاً مختلفاً وأما الشك والظن والجزم فأمور مختلفة وفيه لطيفة وهي أن إطلاق لفظ المريج على ظنهم وقطعهم ينبىء عن عدم كون ذلك الجزم صحيحاً لأن الجزم الصحيح لا يتغير وكان ذلك منهم واجب التغير فكان أمرهم مضطرباً بخلاف المؤمن الموفق فإنه لا يقع في اعتقاده تردد ولا يوجد معتقده تعدد
أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
إشارة إلى الدليل الذي يدفع قولهم ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ ( ق ٣ ) وهذا كما في قوله تعالى أَوَلَيْسَ الَذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم


الصفحة التالية
Icon