وقعيد عن الشمال يعني الملكان ينزلان وعنده ملكان آخران كاتبان لأعماله يسألانهما من أي القيلين كان فإن كان من الصالحين يأخذ روحه ملك السرور ويرجع إلى الملك الآخر مسروراً حيث لم يكن مسروراً ممن يأخذها هو وإن كان من الطالحين يأخذها ملك العذاب ويرجع إلى الآخر محزوناً حيث لم يكن ممن يأخذها هو ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ( ق ٢١ ) فالشهيد هو القعيد والسائق هو المتلقي يتلقى أخذ روحه من ملك الموت فيسوقه إلى منزله وقت الإعادة وهذا أعرف الوجهين وأقربهما إلى الفهم وقول القائل جلست عن يمين فلان فيه إنباء عن تنح ما عنه احتراماً له واجتناباً منه وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( ق ١٦ ) المخالط لأجزائه المداخل في أعضائه والملك متنح عنه فيكون علناً به أكمل من علم الكاتب لكن من أجلس عنده أحداً ليكتب أفعاله وأقواله ويكون الكاتب ناهضاً خبيراً والملك الذي أجلس الرقيب يكون جباراً عظيماً فنفسه أقرب إليه من الكاتب بكثير والقعيد هو الجليس كما أن قعد بمعنى جلس
وَجَاءَتْ سَكْرَة ُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
أي شدته التي تذهب العقول وتذهل الفطن وقوله بِالْحَقّ يحتمل وجوهاً أحدها أن يكون المراد منه الموت فإنه حق كأن شدة الموت تحضر الموت والباء حينئذ للتعدية يقال جاء فلان بكذا أي أحضره وثانيهما أن يكون المراد من الحق ما أتى به من الدين لأنه حق وهو يظهر عند شدة الموت وما من أحد إلا وهو في تلك الحالة يظهر الإيمان لكنه لا يقبل إلا ممن سبق منه ذلك وآمن بالغيب ومعنى المجيء به هو أنه يظهره كما يقال الدين الذي جاء به النبي ( ﷺ ) أي أظهره ولما كانت شدة الموت مظهرة له قيل فيه جاء به والباء حينئذ يحتمل أن يكون المراد منها ملبسة يقال جئتك بأمل فسيح وقلب خاشع وقوله ذالِكَ يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت ويحتمل أن يكون إشارة إلى الحق وحاد عن الطريق أي مال عنه والخطاب قيل مع النبي ( ﷺ ) وهو منكر وقيل مع الكافرين وهو أقرب والأقوى أن يقال هو خطاب عام مع السامع كأنه يقول ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ أيها السامع
وَنُفِخَ فِى الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ
عطف على قوله وَجَاءتْ سَكْرَة ُ الْمَوْتِ ( ق ١٩ ) والمراد منه إما النفخة الأولى فيكون بياناً لما يكون عند مجيء سكرة الموت أو النفخة الثانية وهو أظهر لأن قوله تعالى ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ بالنفخة الثانية أليق ويكون قوله وَجَاءتْ سَكْرَة ُ الْمَوْتِ إشارة إلى الإماتة وقوله وَنُفِخَ فِى الصُّورِ إشارة إلى الإعادة والإحياء وقوله تعالى ذالِكَ ذكر الزمخشري أنه إشارة إلى المصدر الذي من قوله وَنُفِخَ أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد وهو ضعيف لأن يوم لو كان منصوباً لكان ما ذكرنا ظاهراً وأما رفع يوم فيفيد أن ذلك نفس اليوم والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان فالأولى أن يقال ذلك إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله


الصفحة التالية
Icon