قد ذكرنا أن هذا دليل على أن هناك كلاماً قبل قوله قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ( ق ٢٧ ) وهو قول الملقى في النار ربنا أطغاني وقوله لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَى َّ يفيد مفهومه أن الاختصام كان ينبغي أن يكون قبل الحضور والوقوف بين يدي
وقوله تعالى وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ
تقرير للمنع من الاختصام وبيان لعدم فائدته كأنه يقول قد قلت إنكم إذا اتبعتم الشيطان تدخلون النار وقد اتبعتموه فإن قيل ما حكم الباء في قوله تعالى بِالْوَعِيدِ قلنا فيها وجوه أحدها أنها مزيدة كما في قوله تعالى تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ( المؤمنون ٢٠ ) على قول من قال إنها هناك زائدة وقوله وَكَفَى بِاللَّهِ ( النساء ٦ ) وثانيها معدية فقدمت بمعنى تقدمت كما في قوله تعالى عَظِيماً ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَى ِ اللَّهِ ( الحجرات ١ ) ثالثها في الكلام إضمار تقديره وقد قدمت إليكم مقترناً بالوعيد مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَى َّ ( ق ٢٩ ) فيكون المقدم هو قوله ما يبدل القول لدي رابعها هي المصاحبة يقول القائل اشتريت الفرس بلجامه وسرجه أي معه فيكون كأنه تعالى قال قدمت إليكم ما يجب مع الوعيد على تركه بالإنذار
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَى َّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ
وقوله تعالى مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَى َّ يحتمل وجهين
أحدهما أن يكون قوله لَدَى َّ متعلقاً بالقول أي مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَى َّ وثانيهما أن يكون ذلك متعلقاً بقوله مَا يُبَدَّلُ أي لا يقع التبديل عندي وعلى الوجه الأول في القول الذي لديه وجوه أحدها هو أنهم لما قالوا حتى يبدل ما قيل في حقهم أَلْقِيَا ( ق ٢٤ ) بقول الله بعد اعتذارهم لا تلقياه فقال تعالى ما يبدل هذا القول لدي وكذلك قوله وَقِيلَ ادْخُلُواْ أَبْوابَ جَهَنَّمَ ( الزمر ٧٢ ) لا تبديل له ثانيها هو قوله وَلَاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ ( السجدة ١٣ ) أي لا تبديل لهذا القول ثالثها لا خلف في إيعاد الله تعالى كما لا إخلاف في ميعاد الله وهذا يرد على المرجئة حيث قالو ما ورد في القرآن من الوعيد فهو تخويف لا يحقق الله شيئاً منه وقالوا الكريم إذا وعد أنجز ووفى وإذا أوعد أخلف وعفا رابعها لا يبدل القول السابق أن هذا شقي وهذا سعيد حين خلقت العباد قلت هذا شقي ويعمل عمل الأشقياء وهذا تقي ويعمل عمل الأتقياء وذلك القول عندي لا تبديل له بسعي ساع ولا سعادة إلا بتوفيق الله تعالى وأما على الوجه الثاني ففي مَا يُبَدَّلُ وجوه أيضاً أحدها لا يكذب لدي ولا يفتري بين يدي فإني عالم علمت من طغى ومن أطغى ومن كان طاغياً ومن كان أطغى فلا يفيدكم قولكم أطغاني شيطاني ولا قول الشيطان رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ( ق ٢٧ ) ثانيها إشارة إلى معنى قوله تعالى ارْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُوراً ( الحديد ١٣ ) كأنه تعالى قال لو أردتم أن لا أقول فألقياه في العذاب الشديد كنتم بدلتم هذا من قبل بتبديل الكفر بالإيمان قبل أن تقفوا بين يدي وأما الآن فما يبدل القول لدي كما قلنا في قوله تعالى قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَى َّ ( ق ٢٨ ) المراد أن اختصامكم كان يجب أن يكون قبل هذا حيث قلت إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ( فاطر ٦ ) ثالثها معناه لا يبدل الكفر بالإيمان لدي فإن الإيمان عند اليأس غير مقبول فقولكم ربنا وإلاهنا لا يفيدكم فمن تكلم بكلمة الكفر لا يفيده قوله ربنا ما أشركنا وقوله ربنا آمنا وقوله تعالى مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ إشارة إلى نفي الحال كأنه تعالى يقول ما يبدل اليوم لدي القول لأن ما ينفي بها الحال إذا دخلت على الفعل المضارع يقول القائل ماذا تفعل غداً


الصفحة التالية
Icon