المعقول وأما من حيث النحو فلأن الحقائق لا يوصف بها فلا يقال جسم رجل جاءني كما يقال جسم ناطق جاءني كما يقال جسم ناطق جاءني لأن الوصف يقوم بالموصوف والحقيقة تقوم بنفسها لا بغيرها وكل ما يقع وصفاً للغير يكون معناه شيء له كذا فقولنا عالم معناه شيء له علم أو عالمية فيدخل في مفهوم الوصف شيء مع أمر آخر وهو له كذا لكن ما لمجرد شيء فلا يوجد فيه ما يتم به الوصف وهو الأمر الآخر الذي معناه ذو كذا فلم يجز أن يكون صفة وإذا بان القول فمن في العقلاء كما في غيرهم وفيهم فمن معناه إنسان أو ملك أو غيرهما من الحقائق العاقلة والحقائق لا تقع صفات وأما الذي يقع على الحقائق والأوصاف ويدخل في مفهومه تعريف أكثر مما يدخل في مجاز الوصف بما دون من
وفي الآية لطائف معنوية الأول الخشية والخوف معناهما واحد عند أهل اللغة لكن بينهما فرق وهو أن الخشية من عظمة المخشي وذلك لأن تركيب حرف خ ش ي في تقاليبها يلزمه معنى الهيبة يقال شيخ للسيد والرجل الكبير السن وهم جميعاً مهيبان والخوف خشية من ضعف الخاشي وذلك لأن تركيب خ و ف في تقاليبها يدل على الضعف تدل عليه الخيفة والخفية ولولا قرب معناهما لما ورد في القرآن تَضَرُّعًا وَخُفْيَة ً ( الأنعام ٦٣ ) و تَضَرُّعًا وَخُفْيَة ً ( الأعراف ٢٠٥ ) والمخفي فيه ضعف كالخائف إذا علمت هذا تبين لك اللطيفة وهي أن الله تعالى في كثير من المواضع ذكر لفظ الخشية حيث كان الخوف من عظمة المخشي قال تعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ( فاطر ٢٨ ) وقال لَوْ أَنزَلْنَا هَاذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَة ِ اللَّهِ ( الحشر ٢١ ) فإن الجبل ليس فيه ضعف يكون الخوف من ضعفه وإنما الله عظيم يخشاه كل قوي هُم مّنْ خَشْية ِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ ( المؤمنون ٥٧ ) مع أن الملائكة أقوياء وقال تعالى وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ( الأحزاب ٣٣ ) أي تخافهم إعظاماً لهم إذ لا ضعف فيك بالنسبة إليهم وقال تعالى لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ ( العنكبوت ٣٣ ) أي لا تخف ضعفاً فإنهم لا عظمة لهم وقال يَخَافُونَ يَوْماً ( الإنسان ٧ ) حيث كان عظمة اليوم بالنسبة إلى عظمة الله ضعيفة وقال أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ ( فصلت ٣٠ ) أي بسبب مروه يلحقكم من الآخرة فإن المكروهات كلها مدفوعة عنكم وقال تعالى خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ( القصص ٢١ ) وقال إِنّى أَخَافُ إِنْ يَقْتُلُونَ ( القصص ٣٣ ) لوحدته وضعفه وقال هارون إِنّى خَشِيتُ ( طه ٩٤ ) لعظمة موسى في عين هارون لا لضعف فيه وقال فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ( الكهف ٨٠ ) حيث لم يكن لضعف فيه وحاصل الكلام أنك إذا تأملت استعمال الخشية وجدتها مستعملة لخوف بسبب عظمة المخشي وإذا نظرت إلى استعمال الخوف وجدته مستعملاً لخشية من ضعف الخائف وهذا في الأكثر وربما يتخلف المدعى عنه لكن الكثرة كافية الثانية قال الله تعالى ههنا خَشِى َ الرَّحْمَنَ مَّعَ ءانٍ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لاَ يَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّة ِ أَصْحَابُ الْجَنَّة ِ هُمُ الْفَائِزُونَ لَوْ أَنزَلْنَا هَاذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَة ِ اللَّهِ ( الحشر ٢١ ) إشارة إلى ذم الكافر حيث لم تحمله الألوهية التي تنبىء عنها لفظة الله وفيها العظمة على خوفه وقال إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ( فاطر ٢٨ ) لأن إِنَّمَا للحصر فكان فيه إشارة إلى أن الجاهل لا يخشاه فذكر الله ليبين أن عدم خشيته مع قيام المقتضى وعدم المانع وهو الرحمة وقد ذكرنا ذلك في سورة يس ونزيد ههنا شيئاً آخر وهو أن نقول لفظة الرَّحْمَنُ إشارة إلى مقتضى لا إلى المانع وذلك لأن الرحمن معناه واهب الوجود بالخلق والرحيم واهب البقاء بالرزق وهو في الدنيا رحمان حيث أوجدنا بالرحمة ورحيم حيث أبقى بالرزق ولا يقال لغيره رحيم لأن


الصفحة التالية
Icon