يرحبه ويقول إذا بلغت بستاني فادخله وإن لم يكن هناك أحد يكون قد أخل بإكرامه بخلاف من يقف على باب قوم يقولون أدخل باسم الله يدل على الإكرام قوله تعالى بِسَلامٍ كما يقول المضيف أدخل مصاحباً بالسلامة والسعادة والكرامة والباء للمصاحبة في معنى الحال أي سالمين مقرونين بالسلامة أو معناه أدخلوها مسلماً عليكم ويسلم الله وملائكته عليكم ويحتمل عندي وجهاً آخر وهو أن يكون ذلك إرشاداً للمؤمنين إلى مكارم الاْخلاق في ذلك اليوم كما أرشدوا إليها في الدنيا حيث قال تعالى لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ( النور ٢٧ ) فكأنه تعالى قال هذه داركم ومنزلكم ولكن لا تتركوا حسن عادتكم ولا تخلوا بمكارم أخلاقكم فادخلوها بسلام ويصيحون سلاماً على من فيها ويسلم ممن فيها عليهم ويقولون السلام عليكم ويدل عليه قوله تعالى إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً ( الواقعة ٢٦ ) أي يسلمون على من فيها ويسلم من فيها عليهم وهذا الوجه إن كان منقولاً فنعم وإن لم يكن منقولاً فهو مناسب معقول أيده دليل منقول
قوله تعالى ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ
حتى لا يدخل في قلبهم أن ذلك ربما ينقطع عنهم فتبقى في قلبهم حسرته فإن قيل المؤمن قد علم أنه إذا دخل الجنة خلد فيها فما الفائدة في التذكير والجواب عنه من وجهين أحدهما أن قوله ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ قول قاله الله في الدنيا إعلاماً وإخباراً وليس ذلك قولاً يقوله عند قوله ادْخُلُوهَا فكأنه تعالى أخبرنا في يومنا أن ذلك اليوم يوم الخلود ثانيهما اطمئنان القلب بالقول أكثر قال الزمخشري في قوله يَوْمُ الُخُلُودِ إضمار تقديره ذلك يوم تقدير الخلود ويحتمل أن يقال اليوم يذكر ويراد الزمان المطلق سواء كان يوماً أو ليلاً نقول يوم ولد لفلان ابن يكون السرور العظيم ولو ولد له بالليل لكان السرور حاصلاً فتريد به الزمان فكأنه تعالى قال ذلك زمان الإقامة الدائمة ثم قال تعالى
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
وفي الآية ترتيب في غاية الحسن وذلك لأنه تعالى بدأ ببيان إكرامهم حيث قال وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّة ُ لِلْمُتَّقِينَ ( الشعراء ٩٠ ) ولم يقل قرب المتقون من الجنة بياناً للإكرام حيث جعلهم ممن تنقل إليهم الجنان بما فيها من الحسان ثم قال لهم هذا لكم بقوله هَاذَا مَا تُوعَدُونَ ( ق ٣٢ ) ثم بيّن أنه أجر أعمالهم الصالحة بقوله لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِى َ الرَّحْمَنَ ( ق ٣٣ ) فإن تصرف المالك الذي ملك شيئاً بعوض أتم فيه من تصرف من ملك بغير عوض لإمكان الرجوع في التمليك بغير عوض ثم زاد في الإكرام بقوله ادْخُلُوهَا ( ق ٣٤ ) كما بينا أن ذلك إكرام لأن من فتح بابه للناس ولم يقف ببابه من يرحب الداخلين لا يكون قد أتى بالإكرام التام ثم قال ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ ( ق ٣٤ ) أي لا تخافوا ما لحقكم من قبل حيث أخرج أبويكم منها فهذا دخول لا خروج بعده منها
ثم لما بيّن أنهم فيها خالدون قال لا تخافوا انقطاع أرزاقكم وبقاءكم في حاجة كما كنتم في الدنيا من كان يعمر ينكس ويحتاج بل لكم الخلود ولا ينفد ما تمتعون به فلكم ما تشاءون في أي وقت تشاءون وإلى الله المنتهى وعند الوصول إليه والمثول بين يديه فلا يوصف ما لديه ولا يطلع أحد عليه وعظمة من عنده تدلك على فضيلة ما عنده هذا هو الترتيب وأما التفسير ففيه مسألتان


الصفحة التالية
Icon