غالبة في أول العمر وناقصة في آخر العمر والانتقال من الزيادة إلى النقصان لا يعقل حصوله إلا إذا حصل الاستواء في وسط هاتين المدتين فثبت أن مدة العمر منقسمة إلى ثلاثة أقسام أولها أن تكون الرطوبة الغريزية زائدة على الحرارة الغريزية وحينئذ تكون الأعضاء قابلة للتمدد في ذواتها وللزيادة بحسب الطول والعرض والعمق وهذا هو سن النشوء والنماء
والمرتبة الثانية وهي المرتبة المتوسطة أن تكون الرطوبة الغريزية وافية بحفظ الحرارة الغريزية من غير زيادة ولا نقصان وهذا هو سن الوقوف وهو سن الشباب
والمرتبة الثالثة وهي المرتبة الأخيرة أن تكون الرطوبة الغريزية ناقصة عن الوفاء بحفظ الحرارة الغريزية ثم هذا النقصان على قسمين فالأول هو النقصان الخفي وهو سن الكهولة والثاني هو النقصان الظاهر وهو سن الشيخوخة فهذا ضبط معلوم ثم ههنا مقدمة أخرى وهي أن دور القمر إنما يكمل في مدة ثمانية وعشرين يوماً وشيء فإذا قسمنا هذه المدة بأربعة أقسام كان كل قسم منها سبعة فلهذا السبب قدروا الشهر بالأسابيع الأربعة ولهذه الأسابيع تأثيرات عظيمة في اختلاف أحوال هذا العالم إذا عرفت هذا فنقول إن المحققين من أصحاب التجارب قسموا مدة سن النماء والنشوء إلى أربعة أسابيع ويحصل للآدمي بحسب انتهاء كل سابوع من هذه السوابيع الأربعة نوع من التغير يؤدي إلى كماله أما عند تمام السوابيع الأول من العمر فتصلب أعضاءه بعض الصلابة وتقوى أفعاله أيضاً بعض القوة وتتبدل أسنانه الضعيفة الواهية بأسنان قوية وتكون قوة الشهوة في هذا السابوع أقوى في الهضم مما كان قبل ذلك وأما في نهاية السابوع الثاني فتقوى الحرارة وتقل الرطوبات وتتسع المجاري وتقوى قوة الهضم وتقوى الأعضاء وتصلب قوة وصلابة كافية ويتولد فيه مادة الزرع وعند هذا يحكم الشرع عليه بالبلوغ على قول الشافعي رضي الله عنه وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه لأن هذا الوقت لما قويت الحرارة الغريزية قلت الرطوبات واعتدل الدماغ فتكمل القوى النفسانية التي هي الفكر والذكر فلا جرم يحكم عليه بكمال العقل فلا جرم حكمت الشريعة بالبلوغ وتوجه التكاليف الشرعية فما أحسن قول من ضبط البلوغ الشرعي بخمس عشرة سنة
واعلم أنه يتفرع على حصول هذه الحالة أحوال في ظاهر البدن أحدها انفراق طرف الأرنبة لأن الرطوبة الغريزية التي هناك تنتقص فيظهر الانفراق وثانيها نتوء الحنجرة وغلظ الصوت لأن الحرارة التي تنهض في ذلك الوقت توسع الحنجرة فتنتوء ويغلظ الصوت وثالثها تغير ريح الإبط وهي الفضلة العفينة التي يدفعها القلب إلى ذلك الموضع وذلك لأن القلب لما قويت حرارته لا جرم قويت على إنضاج المادة ودفعها إلى اللحم الغددي الرخو الذي في الإبط ورابعها نبات الشعر وحصول الاحتلام وكل ذلك لأن الحرارة قويت فقدرت على توليد الأبخرة المولدة للشعر وعلى توليد مادة الزرع وفي هذا الوقت تتحرك الشهوة في الصبايا وينهد ثديهن وينزل حيضهن وكل ذلك بسبب أن الحرارة الغريزية التي فيهن قويت في آخر هذا السابوع وأما في السابوع الثالث فيدخل في حد الكمال وينبت للذكر اللحية ويزداد حسنه وكماله وأما في السابوع الرابع فلا تزال هذه الأحوال فيه متكاملة متزايدة وعند انتهاء السابوع الرابع نهاية أن لا يظهر الازدياد أما مدة سن الشباب وهي مدة الوقوف السابوع واحد فيكون المجموع خمسة وثلاثين سنة ولما كانت هذه المدة إما قد


الصفحة التالية
Icon