الأول وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ قيل الطرائق وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد طرائق الكواكب وممراتها كما يقال في المحابك ويحتمل أن يكون المراد ما في السماء من الأشكال بسبب النجوم فإن في سمت كواكبها طريق التنين والعقرب والنسر الذي يقول به أصحاب الصور ومنطقة الجوزاء وغير ذلك كالطرائق وعلى هذا فالمراد به السماء المزينة بزينة الكواكب ومثله قوله تعالى وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ( البروج ١ ) وقيل حبكها صفاقها يقال في الثوب الصفيق حسن الحبك وعلى هذا فهو كقوله تعالى وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ ( الطارق ١١ ) لشدتها وقوتها وهذا ما قيل فيه
البحث الثاني في المقسم عليه وهو قوله تعالى إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ وفي تفسيره أقوال مختلفة كلها محكمة الأول إنكم لفي قول مختلف في حق محمد ( ﷺ ) تارة يقولون إنه أمين وأخرى إنه كاذب وتارة تنسبونه إلى الجنون وتارة تقولون إنه كاهن وشاعر وساحر وهذا محتمل لكنه ضعيف إذ لا حاجة إلى اليمين على هذا لأنهم كانوا يقولون ذلك من غير إنكار حتى يؤكد بيمين الثاني إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ أي غير ثابتين على أمر ومن لا يثبت على قول لا يكون متيقناً في اعتقاده فيكون كأنه قال تعالى والسماء إنكم غير جازمين في اعتقادكم وإنما تظهرون الجزم لشدة عنادكم وعلى هذا القول فيه فائدة وهي أنهم لما قالوا للنبي ( ﷺ ) إنك تعلم أنك غير صادق في قولك وإنما تجادل ونحن نعجز عن الجدل قال وَالذرِيَاتِ ذَرْواً أي أنك صادق ولست معانداً ثم قال تعالى بل أنتم والله جازمون بأني صادق فعكس الأمر عليهم الثالث إنك لفي قول مختلف أي متناقض أما في الحشر فلأنكم تقولون لا حشر ولا حياة بعد الموت ثم تقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة فإذا كان لا حياة بعد الموت ولا شعور للميت فماذا يصيب آباءكم إذا خالفتموهم وإنما يصح هذا ممن يقولون بأن بعد الموت عذاباً فلو علمنا شيئاً يكرهه الميت يبدي فلا معنى لقولكم إنا لا ننسب آباءنا بعد موتهم إلى الضلال وكيف وأنتم تربطون الركائب على قبور الأكابر وأما في التوحيد فتقولون خالق السماوات والأرض هو الله تعالى لا غيره ثم تقولون هو إلاه الآلهة وترجعون إلى الشرك وأما في قول النبي ( ﷺ ) فتقولون إنه مجنون ثم تقولون له إنك تغلبنا بقوة جدلك والمجنون كيف يقدر على الكلام المنتظم المعجز إلى غير ذلك من الأمور المتناقضة ثم قال تعالى
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
وفيه وجوه أحدها أنه مدح للمؤمنين أي يؤفك عن القول المختلف ويصرف من صرف عن ذلك القول ويرشد إلى القول المستوي وثانيها أنه ذم معناه يؤفك عن الرسول ثالثها يؤفك عن القول بالحشر رابعها يؤفك عن القرآن وقرىء يؤفن عنه من أفن أي يحرم وقرىء يؤفك عنه من أفك أي كذب ثم قال تعالى
قُتِلَ الْخَرَاصُونَ
وهذا يدل على أن المراد من قوله لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ( الذاريات ٨ ) أنهم غير ثابتين على أمر وغير جازمين بل هم يظنون ويخرصون ومعناه لعن الخراصون دعاء عليهم بمكروه ثم وصفهم فقال
الَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَة ٍ سَاهُونَ
وفيه مسألتان إحداهما لفظية والأخرى معنوية
أما اللفظية فقوله سَاهُونَ يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والمبتدأ هو قوله هُمْ وتقديره هم


الصفحة التالية
Icon