بإعطاء الله تعالى وعلى هذا الوجه مَا راجعة إلى الجنّات والعيون
وقوله إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ إشارة إلى ثمنها أي أخذوها وملكوها بالإحسان كما قال تعالى لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ( يونس ٢٦ ) بلام الملك وهي الجنة
المسألة الثانية ءاخِذِينَ حال وهو في معنى قول القائل يأخذون فكيف قال ما آتاهم ولم يقل ما يؤتيهم ليتفق اللفظان ويوافق المعنى لأن قوله ءاتَاهُمُ ينبىء عن الانقراض وقوله يُؤْتِيهِمْ تنبيه على الدوام وإيتاء الله في الجنة كل يوم متجدد ولا نهاية له ولا سيما إذا فسرنا الأخذ بالقبول كيف يصح أن يقال فلان يقبل اليوم ما آتاه زيد أمس نقول أما على ما ذكرنا من التفسير لا يرد لأن معناه يتملكون ما أعطاهم وقد يوجد الإعطاء أمس ويتملكاليوم وأما على ما ذكروه فنقول الله تعالى أعطى المؤمن الجنة وهو في الدنيا غير أنه لم يكن جنى ثمارها فهو يدخلها على هيئة الآخذ وربما يأخذ خيراً مما أتاه ولا ينافي ذلك كونه داخلاً على تلك الهيئة يقول القائل جئتك خائفاً فإذا أنا آمن وما ذكرتم إنما يلزم أن لو كان أخذهم مقتصراً على ما آتاهم من قبل وليس كذلك وإنما هم دخلوها على ذلك ولم يخطر ببالهم غيره فيؤتيهم الله ما لم يخطر ببالهم فيأخذون ما يؤتيهم الله وإن دخلوها ليأخذوا ما آتاهم وقوله تعالى إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّة ِ اليَوْمَ فِى شُغُلٍ هو أخذهم ما آتاهم وقد ذكرناه في سورة ي س ( ٥٥ )
المسألة الثالثة ذالِكَ إشارة إلى ماذا نقول يحتمل وجهين أحدهما قبل دخولهم لأن قولهتعالى فِي جَنَّاتِ فيه معنى الدخول يعني قبل دخولهم الجنة أحسنوا ثانيهما قبل إيتاء الله ما آتاهم الحسنى وهي الجنة فأخذوها وفيه وجوه أُخر وهو أن ذلك إشارة إلى يوم الدين وقد تقدم وأما اللطائف فقد سبق بعضها ومنها أن قوله تعالى إِنَّ الْمُتَّقِينَ لما كان إشارة إلى التقوى من الشرك كان كأنه قال الذين آمنا لكن الإيمان مع العمل الصالح يفيد سعادتين ولذلك دلالة أتم من قول القائل أنهم أحسنوا اللطيفة الثانية أما التقوى فلأنه لما قال لا إلاه فقد اتقى الشرك وأما الإحسان فلأنه لما قال إلا الله فقد أتى بالإحسان ولهذا قيل في معنى كلمة التقوى إنها لا إلاه إلا الله وفي الإحسان قال تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ( فصلت ٣٣ ) وقيل في تفسير هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ ( الرحمن ٦٠ ) إن الإحسان هو الإتيان بكلمة لا إلاه إلا الله وهما حينئذ لا يتفاصلان بل هما متلازمان وقوله تعالى
كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
كالتفسير لكونهم محسنين تقول حاتم كان سخياً كان يبذل موجوده ولا يترك مجهوده وفيه مباحث
الأول قللاً منصوب على الظرف تقديره يهجعون قليلاً تقول قام بعض الليل فتنصب بعض على الظرف وخبر كان هو قوله مَا يَهْجَعُونَ و ( ما ) زائدة هذا هو المشهور وفيه وجه آخر وهو أن يقال كانوا قليلاً معناه نفي النوم عنهم وهذا منقول عن الضحاك ومقاتل وأنكر الزمخشري كون ما نافية وقال لا يجوز أن تكون نافية لأن بعد ما لا يعمل فيما قبلها لا تقول زيداً ما ضربت ويجوز أن يعمل ما بعد لم فيما تقول زيداً لم أضرب وسبب ذلك هو أن الفعل المتعدي إنما يفعل في النفي حملاً له على الإثبات لأنك إذا قلت ضرب زيد عمراً ثبت تعلق فعله بعمرو فإذا قلت ما ضربه لم يوجد منه فعل حتى يتعلق به ويتعدى إليه لكن المنفي محمول على الإثبات فإذا ثبت هذا فالنفي بالنسبة إلى الإثبات كاسم الفاعل بالنسبة إلى الفعل فإنه يعمل عمل


الصفحة التالية
Icon