لهن عند الاستحياء أو التعجب ويحتمل أن يقال تلك الصيحة كانت بقولها يا ويلتا تدل عليه الآية التي في سورة هود وصك الوجه أيضاً من عادتهن واستبعدت ذلك لوصفين من اجتماعهما أحدهما كبر السن والثاني العقم لأنها كانت لا تلد في صغر سنها وعنفوان شبابها ثم عجزت وأيست فاستبعدت فكأنها قالت يا ليتكم دعوتم دعاءً قريباً من الإجابة ظناً منها أن ذلك منهم كما يصدر من الضيف على سبيل الأخبار من الأدعية كقول الداعي الله يعطيك مالاً ويرزقك ولداً فقالوا هذا منا ليس بدعاء وإنما ذلك قول الله تعالى قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ثم دفعوا استبعادها بقولهم إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ
وقد ذكرنا تفسيرهما مراراً فإن قيل لم قال ههنا الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ وقال في هود حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ( هود ٧٣ ) نقول لما بينا أن الحكاية هناك أبسط فذكروا ما يدفع الاستبعاد بقولهم أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ( هود ٧٣ ) ثم لما صدقت أرشدوهم إلى القيام بشكر نعم الله وذكروهم بنعمته بقولهم حَمِيدٌ فإن الحميد هو الذي يتحقق منه الأفعال الحسنة وقولهم مَّجِيدٌ إشارة إلى أن الفائق العالي الهمة لا يحمده لفعله الجميل وإنما يحمده ويسبح له لنفسه وههنا لما لم يقولوا أَتَعْجَبِينَ إشارة إلى ما يدفع تعجبها من التنبيه على حكمه وعلمه وفيه لطيفة وهي أن هذا الترتيب مراعى في السورتين فالحميد يتعلق بالفعل والمجيد يتعلق بالقول وكذلك الحكيم هو الذي فعله كما ينبغي لعلمه قاصداً لذلك الوجه بخلاف من يتفق فعله موافقاً للمقصود اتفاقاً كمن ينقلب على جنبه فيقتل حية وهو نائم فائدة لا يقال له حكيم وأما إذا فعل فعلاً قاصداً لقتلها بحيث يسلم عن نهشها يقال له حكيم فيه والعليم راجع إلى الذات إشارة إلى أنه يستحق الحمد بمجده وإن لم يفعل فعلاً وهو قاصد لعلمه وإن لم يفعل على وفق القاصد ثم قال تعالى
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ
وفيه مسائل
المسألة الأولى لما علم حالهم بدليل قوله مُنكِرُونَ ( الذاريات ٢٥ ) لِم لَم يقنع بما بشروه لجواز أن يكون نزولهم للبشارة لا غير نقول إبراهيم عليه السلام أتى بما هو من آداب المضيف حيق يقول لضيفه إذا استعجل في الخروج ما هذه العجلة وما شغلك الذي يمنعنا من التشرف بالاجتماع بك ولا يسكت عند خروجهم مخافة أن يكون سكوته يوهم استثقالهم ثم إنهم أتوا بما هو من آداب الصديق الذي لا يسر عن الصديق الصدوق لا سيما وكان ذلك بإذن الله تعالى لهم في إطلاع إبراهيم عليه السلام على إهلاكهم وجبر قلبه بتقديم البشارة بخير البدل وهو أبو الأنبياء إسحاق عليه السلام على الصحيح فإن قيل فما الذي اقتضى ذكره بالفاء ولو كان كما ذكرتم لقال ماهذا الاستعجال وما خطبكم المعجل لكم نقول لو كان أوجس منهم خيفة وخرجوا من غير بشارة وإيناس ما كان يقول شيئاً فلما آنسوه قال ما خطبكم أي بعد هذا الأنس العظيم ما هذا الإيحاش الأليم
المسألة الثانية هل في الخطب فائدة لا توجد في غيره من الألفاظ نقول نعم وذلك من حيث إن الألفاظ المفردة التي يقرب منها الشغل والأمر والفعل وأمثالها وكل ذلك لا يدل على عظم الأمر وأما الخطب فهو الأمر العظيم وعظم الشأن يدل على عظم من على يده ينقضي فقال مَا خَطْبُكُمَا أي لعظمتكم لا ترسلون إلا في عظيم ولو قال بلفظ مركب بأن يقول ما شغلكم الخطير وأمركم العظيم للزم التطويل فالخطب أفاد التعظيم مع الإيجاز


الصفحة التالية
Icon