ومتلف رأس المال مفوت الكمال عدو وأما إذا فررت إلى الله وأقبلت على الله فهو يأخذ عمرك ولكن يرفع أمرك ويعطيك بقاء لا فناء معه والثالثة الفاء للترتيب معناه إذا ثبت أن خالق الزوجين فرد ففروا إليه واتركوا غيره تركاً مؤبداً الرابعة في تنوع الكلام فائدة وبيانها هو أن الله تعالى قال وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا ( الذاريات ٤٧ ) وَالاْرْضَ فَرَشْنَاهَا ( الذاريات ٤٨ ) وَمِن كُلّ شَى ْء خَلَقْنَا ( الذاريات ٤٩ ) ثم جعل الكلام للنبي عليه السلام وقال فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ولم يقل ففروا إلينا وذلك لأن لاختلاف الكلام تأثيراً وكذلك لاختلاف المتكلمين تأثيراً ولهذا يكثر الإنسان من النصائح مع ولده الذي حاد عن الجادة ويجعل الكلام مختلفاً نوعاً ترغيباً ونوعاً ترهيباً وتنبيهاً بالحكاية ثم يقول لغيره تكلم معه لعلّ كلامك ينفع لما في أذهان الناس أن اختلاف المتكلمين واختلاف الكلام كلاهما مؤثر والله تعالى ذكر أنواعاً من الكلام وكثيراً من الاستدلالات والآيات وذكر طرفاً صالحاً من الحكايات ثم ذكر كلاماً من متكلم آخر هو النبي ( ﷺ ) ومن المفسرين من يقول تقديره فقل لهم ففروا وقوله إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ إشارة إلى الرسالة
وفيه أيضاً لطائف إحداها أن الله تعالى بيّن عظمته بقوله وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا وَالاْرْضَ فَرَشْنَاهَا وهيبته بقوله فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمّ ( القصص ٤٠ ) وقوله تعالى أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ ( الذاريات ٤٨ ) وقوله فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَة ُ ( النسا ١٥٣ ) وفيه إشارة إلى أنه تعالى إذا عذب قدر على أن يعذب بما به البقاء والوجود وهو التراب والماء والهواء والنار فحكايات لوط تدل على أن التراب الذي منه الوجود والبقاء إذا أراد الله جعله سبب الفناء والماء كذلك في قوم فرعون والهواء في عاد والنار في ثمود ولعلّ ترتيب الحكايات الأربع للترتيب الذي في العناصر الأربعة وقد ذكرنا في سورة العنكبوت شيئاً منه ثم إذا أبان عظمته وهيبته قال لرسوله عرفهم الحال وقل أنا رسول بتقديم الآيات وسرد الحكايات فلإردافه بذكر الرسول فائدة ثانيها في الرسالة أمور ثلاثة المرسل والرسول والمرسل إليه وههنا ذكر الكل فقوله لَكُمْ إشارة إلى المرسل إليهم وقوله مِنْهُ إشارة إلى المرسل وقوله نَّذِيرٍ بيان للرسول وقدم المرسل إليه في الذكر لأن المرسل إليه أدخل في أمر الرسالة لأن عنده يتم الأمر والملك لو لم يكن هناك من يخالفه أو يوافقه فيرسل إليه نذيراً أو بشيراً لا يرسل وإن كان ملكاً عظيماً وإذا حصل المخالف أو الموافق يرسل وإن كان غير عظيم ثم المرسل لأنه متعين وهو الباعث وأما الرسول فباختياره ولولا المرسل المتعين لما تمت الرسالة وأما الرسول فلا يتعين لأن للملك اختيار من يشاء من عباده فقال مِنْهُ ثم قال نَّذِيرٍ تأخيراً للرسول عن المرسل ثالثها قوله مُّبِينٌ إشارة إلى ما به تعرف الرسالة لأن كل حادث له سبب وعلامة فالرسول هو الذي به تتم الرسالة ولا بد له من علامة يعرف به فقوله فقوله مُّبِينٌ إشارة إليها وهي إما البرهان والمعجزة
وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ إِنِّء لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
ثم قال تعالى وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءاخَرَ إتماماً للتوحيد وذلك لأن التوحيد بين التعطيل والتشريك وطريقة التوحيد هي الطريقة فالمعطل يقول لا إلاه أصلاً والمشرك يقول في الوجود آلهة والموحد يقول قوله الاثنين باطل نفي الواحد باطل فقوله تعالى فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ ( الذاريات ٥٠ ) أثبت وجود الله ولما قال وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءاخَرَ نفى الأكثر من الواحد فصح التوحيد بالآيتين ولهذا قال مرتين إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أي في المقامين والموضعين وقد ذكرنا مراراً أن المعطل إذا قال لا واجب يجعل الكل ممكناً فإن كل موجود ممكن ولكن الله في الحقيقة موجود فقد جعله في تضاعيف قوله كالممكنات فقد أشرك وجعل الله كغيره والمشرك لما قال بأن غيره إلاه يلزم من قوله نفي كون الإله إلاهاً لما ذكرنا في تقرير دلالة


الصفحة التالية
Icon