أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ أن من تقدم ذكره ممن يدعو بهذا الدعاء ويسلك هذه الطريقة التي تقدم ذكرها نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ والتقبل من الله هو إيجاب الثواب له على عمله فإن قيل ولم قال تعالى أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ والله يتقبل الأحسن وما دونه قلنا الجواب من وجوه الأول المراد بالأحسن الحسن كقوله تعالى وَاتَّبِعُواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ ( الزمر ٥٥ ) كقولهم الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي عادلا بني مروان الثاني أن الحسن من الأعمال هو المباح الذي لا يتعلق به ثواب ولا عقاب والأحسن ما يغاير ذلك وهو وكل ما كان مندوباً واجباً
ثم قال تعالى وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيْئَاتِهِمْ والمعنى أنه تعالى يتقبل طاعاتهم ويتجاوز عن سيئاتهم ثم قال فِى أَصْحَابِ الْجَنَّة ِ قال صاحب ( الكشاف ) ومعنى هذا الكلام مثل قولك أكرمني الأمير في مائتين من أصحابه يريد أكرمني في جملة من أكرم منهم وضمني في عدادهم ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين منهم وقوله وَعْدَ الصّدْقِ مصدر مؤكد لأن قوله نَتَقَبَّلُ وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز والمقصود بيان أنه تعالى يعامل من صفته ما قدمناه بهذا الجزاء وذلك وعد من الله تعالى فبيّن أنه صدق ولا شك فيه
وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِى وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الاٌّ وَّلِينَ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ
اعلم أنه تعالى لما وصف الولد البار بوالديه في الآية المتقدمة وصف الولد العاق لوالديه في هذه الآية فقال يُوعَدُونَ وَالَّذِى قَالَ لِوالِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا وفي هذه الآية قولان الأول أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قالوا كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام فيأبى وهو أُفّ لَّكُمَا واحتج القائلون بهذا القول على صحته بأنه لما كتب معاوية إلى مروان يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن بن أبي بكر لقد جئتم بها هرقلية أتبايعون لأبنائكم فقال مروان يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه وَالَّذِى قَالَ لِوالِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا والقول الثاني أنه ليس المراد من شخص معين بل المراد منه كل من كان موصوفاً بهذه الصفة وهو كل من دعاه أبواه إلى


الصفحة التالية
Icon