( الإسراء ٧٨ ) وقوله تعالى فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( الطلاق ١ ) والمراد المقارنة وكذلك في جميع الصور وحينئذ يكون معناه قرنت الخلق بالعبادة أي بفرض العبادة أي خلقتهم وفرضت عليهم العبادة والذي يدل على عدم جواز التعليل الحقيقي هو أن الله تعالى مستغن عن المنافع فلا يكون فعله لمنفعة راجعة إليه ولا إلى غيره لأن الله تعالى قادر على إيصال المنفعة إلى الغير من غير واسطة العمل فيكون توسط ذلك لا ليكون علة وإذا لزم القول بأن الله تعالى يفعل فعلاً هو لمتوسط لا لعلة لزمهم المسألة وأما النصوص فأكثر من أن تعد وهي على أنواع منها ما يدل على أن الإضلال بفعل الله كقوله تعالى يُضِلُّ مَن يَشَاء ( الرعد ٢٧ ) وأمثاله ومنها ما يدل على أن الأشياء كلها بخلق الله كقوله تعالى خَالِقُ كُلّ شَى ْء ( الرعد ١٦ ) ومنها الصرايح التي تدل على عدم ذلك كقوله تعالى لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ( الأنبياء ٢٣ ) وقوله تعالى وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء ( إبراهيم ٢٧ ) يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ( المائدة ١ ) والاستقصاء مفوض فيه إلى المتكلم الأصولي لا إلى المفسر
المسألة الرابعة قال تعالى رَّحِيمٌ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ ( الحجرات ١٣ ) وقال لِيَعْبُدُونِ فهل بينها اختلاف نقول ليس كذلك فإن الله تعالى علل جعلهم شعوباً بالتعارف وههنا علل خلقهم بالعبادة وقوله هناك أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( الحجرات ١٣ ) دليل على ما ذكره ههنا وموافق له لأنه إذا كان أتقى كان أعبد وأخلص عملاً فيكون المطلوب منه أتم في الوجود فيكون أكرم وأعز كالشيء الذي منفعته فائدة وبعض أفراده يكون أنفع في تلك الفائدة مثاله الماء إذا كان مخلوقاً للتطهير والشرب فالصافي منه أكثر فائدة في تلك المنفعة فيكون أشرف من ماء آخر فكذلك العبد الذي وجد فيه ما هو المطلوب منه على وجه أبلغ
المسألة الخامسة ما العبادة التي خلق الجن والإنس لها قلنا التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فإن هذين النوعين لم يخل شرع منهما وأما خصوص العبادات فالشرائع مختلفة فيها بالوضع والهيئة والقلة والكثرة والزمان والمكان والشرائط والأركان ولما كان التعظيم اللائق بذي الجلال والإكرام لا يعلم عقلاً لزم اتباع الشرائع فيها والأخذ بقول الرسل عليهم السلام فقد أنعم الله على عباده بإرسال الرسل وإيضاح السبل في نوعي العبادة وقيل إن معناه ليعرفوني روي عن النبي ( ﷺ ) أنه قال عن ربه ( كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أعرف )
مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ
فيه جواب سؤال وهو أن الخلق للغرض ينبىء عن الحاجة فقال ما خلقتهم ليطعمون والنفع فيه لهم لا لي وذلك لأن منفعة العبد في حق السيد أن يكتسب له إما بتحصيل المال له أو بحفظ المال عليه وذلك لأن العبد إن كان للكسب فغرض التحصيل فيه ظاهر وإن كان للشغل فلولا العبد لاحتاج السيد إلى استئجار من يفعل الشغل له فيحتاج إلى إخراج مال والعبد يحفظ ماله عليه ويغنيه عن الإخراج فهو نوع كسب فقال تعالى مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ أي لست كالسادة في طلب العبادة بل هم الرابحون في عبادتهم وفيه وجه آخر وهو أن يقال هذا تقرير لكونهم مخلوقين للعبادة وذلك لأن الفعل في العرف لا بد له من منفعة لكن العبيد على


الصفحة التالية
Icon