لزوماً بيناً ولا يقال في الثلاثة ذات فردية ولا في الأربعة ذات زوجية ولهذا لم يرد في الأوصاف الحقيقية التي ليست مأخوذة من الأفعال ولذا لم يسمع ذو الوجود وذو الحياة ولا ذو العلم ويقال في الإنسان ذو علم وذو حياة لأنها عرض فيه عارض لا لازم بين وفي صفات الفعل يقال الله تعالى ذو الفضل كثيراً وذو الخلق قليلاً لأن ذا كذا بمعنى صاحبه وربه والصحبة لا يفهم منها اللزوم فضلاً عن اللزوم البين والذي يؤيد هذا هو أنه تعالى قال وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ( يوسف ٧٦ ) فجعل غيره ذا علم ووصف نفسه بالفعل فبين ذي العلم والعليم فرق وكذلك بين ذي القوة والقوي ويؤيده أيضاً أنه تعالى قال فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِى ٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( غافر ٢٢ ) وقال تعالى اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِى ُّ الْعَزِيزُ ( الشورى ١٩ ) وقال تعالى لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِى ٌّ عَزِيزٌ ( المجادلة ٢١ ) لأن في هذه الصور كان المراد بيان القيام بالأفعال العظيمة والمراد ههنا عدم الاحتياج ومن لا يحتاج إلى الغير يكفيه من القوة قدر ما ومن يقوم مستبداً بالفعل لا بد له من قوة عظيمة لأن عدم الحاجة قد يكون بترك الفعل والاستغناء عنه ولو بين هذا البحث في معرض الجواب عن سؤال سائل عن الفرق بين قوله ذُو الْقُوَّة ِ ههنا وبين قوله قَوِى ٌّ في تلك المواضع لكان أحسن فإن قيل فقد قال تعالى لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِى ٌّ عَزِيزٌ ( الحديد ٢٥ ) وفيه ما ذكرت من المعنى وذلك لأن قوله قَوِى ٌّ لبيان أنه غير محتاج إلى النصرة وإنما يريد أن يعلم ليثيب الناصر لكن عدم الاحتياج إلى النصرة يكفي فيه قوة ما فلم لم يقل إن الله ذو القوة نقول فيه إنه تعالى قال من ينصره ورسله ومعناه أنه يغني رسله عن الحاجة ولا يطلب نصرتهم من خلقه ليعجزهم وإنما يطلبها لثواب الناصرين لا لاحتياج المستنصرين وإلا فالله تعالى وعدهم بالنصر حيث قال وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ( الصافات ١٧١ ١٧٢ ) ولما ذكر الرسل قال قوي يكون ذلك تقوية تقارب رسله المؤمنين وتسلية لصدورهم وصدور المؤمنين
البحث الثاني قال الْمَتِينُ وذلك لأن ذُو الْقُوَّة ِ كما بينا لا يدل إلا على أن له قوة ما فزاد في الوصف بياناً وهو الذي له ثبات لا يتزلزل وهو مع المتين من باب واحد لفظاً ومعنى فإن متن الشيء هو أصله الذي عليه ثباته والمتن هو الظهر الذي عليه أساس البدن والمتانة مع القوة كالعزة مع القوة حيث ذكر الله تعالى في مواضع ذكر القوة والعزة فقال قَوِى ٌّ عَزِيزٌ ( الحديد ٢٥ ) وقال الْقَوِى ُّ الْعَزِيزُ ( هود ٦٦ )
وفيه لطيفة تؤيد ما ذكرنا من البحث في القوي وذي القوة وذلك لأن المتين هو الثابت الذي لا يتزلزل والعزيز هو الغالب ففي المتين أنه لا يغلب ولا يقهر ولا يهزم وفي العزيز أنه يغلب ويقهر ويزل الأقدام والعزة أكمل من المتانة كما أن القوي أكمل من ذي القوة فقرن الأكمل بالأكمل وما دونه بما دونه ولو نظرت حق النظر وتأملت حق التأمل لرأيت في كتاب الله تعالى لطائف تنبهك على عناد المنكرين وقبح إنكار المعاندين
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ


الصفحة التالية
Icon