الأول كلمة إِنَّمَا للحصر أي لا تجزون إلا ذلك ولم يذكر هذا في حق المؤمن فإنه يجزيه أضعاف ما عمل ويزيده من فضله وحينئذ إن كان يمن الله على عبده فيمن بذلك لا بالأكل والشرب الثاني قال هنا بِمَا كُنتُمْ وقال هناك مَّا كُنتُمْ أي تجزون عين أعمالكم إشارة إلى المبالغة في المماثلة كما تقول هذا عين ما عملت وقد تقدم بيان هذا وقال في حق المؤمن بِمَا كُنتُمْ كأن ذلك أمر ثابت مستمر بعملكم هذا الثالث ذكر الجزاء هناك وقال ههنا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لأن الجزاء ينبىء عن الانقطاع فإن من أحسن إلى أحد فأتى بجزائه لا يتوقع المحسن منه شيئاً آخر فإن قيل فالله تعالى قال في مواضع جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( الأحقاف ١٤ ) في الثواب نقول في تلك المواضع لما لم يخاطب المجزي لم يقل تجزى وإنما أتى بما يفيد العالم بالدوام وعدم الانقطاع وأما في السرر فذكر أموراً أيضاً أحدها الاتكاء فإنه هيئة تختص بالمنعم والفارغ الذي لا كلفة عليه ولا تكلف لديه فإن من يكون عنده من يتكلف له يجلس له ولا يتكىء عنده ومن يكون في مهم لا يتفرغ للاتكاء فالهيئة دليل خير ثم الجمع يحتمل أمرين أحدهما أن يكون لكل واحد سرر وهو الظاهر لأن قوله مَصْفُوفَة ٌ يدل على أنها لواحد لأن سرر الكل لا تكون في موضع واحد مصطفة ولفظ السرير فيه حروف السرور بخلاف التخت وغيره وقوله مَصْفُوفَة ٌ دليل على أنه لمجرد العظم فإنها لو كات متفرقة لقيل في كل موضع واحد ليتكىء عليه صاحبه إذا حضر في هذا الموضع وقوله تعالى وَزَوَّجْنَاهُم إشارة إلى النعمة الرابعة وفيها أيضاً ما يدل على كمال الحال من وجوه أحدها أنه تعالى هو المزوج وهو يتولى الطرفين يزوج عباده بأمانه ومن يكون كذلك لا يفعل إلا ما فيه راحة العباد والإماء ثانيها قال وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ ولم يقل وزوجناهم حوراً مع أن لفظة التزويج يتعدى فعله إلى مفعولين بغير حرف يقال زوجتكها قال تعالى فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ( الأحزاب ٣٧ ) وذلك إشارة إلى أن المنفعة في التزويج لهم وإنما زوجوا للذتهم بالحور لا للذة الحور بهم وذلك لأن المفعول بغير حرف يعلق الفعل به كذلك التزويج تعلق بهم ثم بالحور لأن ذلك بمعنى جعلنا ازدواجهم بهذا الطريق وهو الحور ثالثها عدم الاقتصار على الزوجات بل وصفهن بالحسن واختار الأحسن من الأحسن فإن أحسن ما في صورة الآدمي وجهه وأحسن ما في الوجه العين ولأن الحور والعين يدلان على حسن المزاج في الأعضاء ووفرة المادة في الأرواح أما حسن المزاج فعلامته الحور وأما وفرة الروح فإن سعة العين بسبب كثرة الروح المصوبة إليها فإن قيل قوله زوجناهم ذكره بفعل ماض و تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ حال ولم يسبق ذكر فعل ماض يعطف عليه ذلك وعطف الماضي على الماضي والمستقبل على المستقبل أحسن نقول الجواب من وجوه اثنان لفظيان ومعنوي أحدها أن ذلك حسن في كثير من المواضع تقول جاء زيد ويجيء عمراً وخرج زيد ثانيها أن قوله تعالى إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ تقديره أدخلناهم في جنات وذلك لأن الكلام على تقدير أن في اليوم الذي يدع الكافر في النار في ذلك الوقت يكون المؤمن قد أدخل مكانه فكأنه تعالى يقول في يوم يدعون إلى نار جهنم إن المتقين كائنون في جنّات والثالث المعنوي وهو أنه تعالى ذكر مجزاة الحكم فهو في هذا اليوم زوج عباده حوراً عيناً وهن منتظرات الزفاف يوم الآزفة
الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ


الصفحة التالية
Icon