اللطيفة الخامسة في قوله تعالى وَمَا أَلَتْنَاهُمْ تطييب لقلبهم وإزالة وهم المتوهم أن ثواب عمل الأب يوزع على الوالد والولد بل للوالد أجر عمله بفضل السعي ولأولاده مثل ذلك فضلاً من الله ورحمة
اللطيفة السادسة في قوله تعالى مّنْ عَمَلِهِم ولم يقل من أجرهم وذلك لأن قوله تعالى وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم دليل على بقاء عملهم كما كان والأجر على العمل مع الزيادة فيكون فيه الإشارة إلى بقاء العمل الذي له الأجر الكبير الزائد عليه العظيم العائد إليه ولو قال ما ألتناهم من أجرهم لكان ذلك حاصلاً بأدنى شيء لأن كل ما يعطي الله عبده على عمله فهو أجر كامل ولأنه لو قال تعالى ما ألتناهم من أجرهم كان مع ذلك يحتمل أن يقال إن الله تعالى تفضل عليه بالأجر الكامل على العمل الناقص وأعطاه الأجر الجزيل مع أن عمله كان له ولولده جميعاً وفيه مسائل
المسألة الأولى قوله تعالى وَالَّذِينَ ءامَنُواْ عطف على ماذا نقول على قوله إِنَّ الْمُتَّقِينَ ( الطور ١٧ )
المسألة الثانية إذا كان كذلك فلم أعاد لفظ الَّذِينَ كَفَرُواْ وكان المقصود يحصل بقوله تعالى وألحقنا بهم ذرياتهم بعد قوله وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم ( الطور ٢٠ ) وكان يصير التقدير وزوجناهم وألحقنا بهم نقول فيه فائدة وهو أن المتقين هم الذين اتقوا الشرك والمعصية وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقال ههنا الَّذِينَ كَفَرُواْ أي بوجود الإيمان يصير ولده من أهل الجنة ثم إن ارتكب الأب كبيرة أو صغيرة على صغيرة لا يعاقب به ولده بل الوالد وربما يدخل الجنة الابن قبل الأب وفيه لطيفة معنوية وهو أنه ورد في الأخبار أن الولد الصغير يشفع لأبيه وذلك إشارة إلى الجزاء
المسألة الثالثة هل يجوز غير ذلك نقول نعم يجوز أن يكون قوله تعالى وَالَّذِينَ ءامَنُواْ عطفاً على بِحُورٍ عِينٍ ( الطور ٢٠ ) تقديره زوجناهم بحور عين أي قرناهم بهن وبالذين آمنوا إشارة إلى قوله تعالى إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ( الحجر ٤٧ ) أي جمعنا شملهم بالأزواج والإخوان والأولاد بقوله تعالى وَأَتْبَعْنَاهُم وهذا الوجه ذكره الزمخشري والأول أحسن وأصح فإن قيل كيف يصح على هذا الوجه الإخبار بلفظ الماضي مع أنه سبحانه وتعالى بعد ما قرن بينهم قلنا صح في وزوجناهم على ما ذكر الله تعالى من تزويجهن منا من يوم خلقهن وإن تأخر زمان الاقتران
المسألة الرابعة قرىء ذرياتهم في الموضعين بالجمع وذريتهم فيهما بالفرد وقرىء في الأول ذرياتهم وفي الثانية وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم فهل للثالث وجه نقول نعم معنوي لا لفظي وذلك لأن المؤمن تتبعه ذرياته في الإيمان وإن لم توجد على معنى أنه لو وجد له ألف ولد لكانوا أتباعه في الإيمان حكماً وأما الإلحاق فلا يكون حكماً إنما هو حقيقة وذلك في الموجود فالتابع أكثر من الملحوق فجمع في الأول وأفرد الثاني
المسألة الخامسة ما الفائدة في تنكير الإيمان في قوله وَأَتْبَعْنَاهُم ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ نقول هو إما التخصيص أو التنكير كأنه يقول أتبعناهم ذرياتهم بإيمان مخلص كامل أو يقول أتبعناهم بإيمان ما أي شيء منه فإن الإيمان كاملاً لا يوجد في الولد بدليل أن من له ولد صغير حكم بإيمانه فإذا بلغ وصرّح بالكفر وأنكر التبعية قيل بأنه لا يكون مرتداً وتبين بقول إنه لم يتبع وقيل بأنه يكون مرتداً لأنه كفر بعد ما حكم بإيمانه


الصفحة التالية
Icon