ليعتبر بها أهل مكة فيتركوا الاغترار بما وجدوه من الدنيا ويقبلوا على طلب الدين فلهذا المعنى ذكر الله تعالى هذه القصة في هذا الموضع وهو مناسب لما تقدم لأن من أراد تقبيح طريقة عند قوم كان الطريق فيه ضرب الأمثال وتقديره أن من واظب على تلك الطريقة نزل به من البلاء كذا وكذا وقوله تعالى وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ أي واذكر يا محمد لقومك أهل مكة هوداً عليه السلام إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ أي حذرهم عذاب الله إن لم يؤمنوا وقوله بِالاْحْقَافِ قال أبو عبيدة الحقف الرمل المعوج ومنه قيل للمعوج محقوف وقال الفراء الأحقاف واحدها حقف وهو الكثيب المكسر غير العظيم وفيه اعوجاج قال ابن عباس الأحقاف وادٍ بين عمان ومهرة والنذر جمع نذير بمعنى المنذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ من قبله وَمِنْ خَلْفِهِ من بعده والمعنى أن هوداً عليه السلام قد أنذرهم وقال لهم أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم العذاب
واعلم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره
ثم حكى تعالى عن الكفار أنهم قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا الإفك الصرف يقال أفكه عن رأيه أي صرفه وقيل بل المراد لتزيلنا بضرب من الكذب عَنْ ءالِهَتِنَا وعن عبادتها فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا معاجلة العذاب على الشرك إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في وعدك فعند هذا قال هود إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وإنما صلح هذا الكلام جواباً لقولهم فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا لأن قولهم فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا استعجال منهم لذلك العذاب فقال لهم هود لا علم عندي بالوقت الذي يحصل فيه ذلك العذاب إنما علم ذلك عند الله تعالى وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وهو التحذير عن العذاب وأما العلم بوقته فما أوحاه الله إليّ وَلَاكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وهذا يحتمل وجوهاً الأول المراد أنكم لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا سائلين عن غير ما أذن لهم فيه وإنما بعثوا مبلغين الثاني أراكم قوماً تجهلون من حيث إنكم بقيتم مصرين على كفركم وجهلكم فيغلب على ظني أنه قرب الوقت الذي ينزل عليكم العذاب بسبب هذ الجهل المفرط والوقاحة التامة الثالث إِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ حيث تصرون على طلب العذاب وهب أنه لم يظهر لكم كوني صادقاً ولكن لم يظهر أيضاً لكم كوني كاذباً فالإقدام على الطلب الشديد لهذا العذاب جهل عظيم
ثم قال تعالى فَلَمَّا رَأَوْهُ ذكر المبرّد في الضمير في رأوه قولين أحدهما أنه عائد إلى غير مذكور وبينه قوله عَارِضاً كما قال مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّة ٍ ( فاطر ٤٥ ) ولم يذكر الأرض لكونها معلومة فكذا هاهنا الضمير عائد إلى السحاب كأنه قيل فلما رأوا السحاب عارضاً وهذا اختيار الزجاج ويكون من باب الإضمار لا على شريطة التفسير والقول الثاني أن يكون الضمير عائداً إلى ما في قوله فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا أي فلما رأوا ما يوعدون به عارضاً قال أبو زيد العارض السحابة التي ترى في ناحية السماء ثم تطبق وقوله مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قال المفسرون كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياماً فساق الله إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من وادٍ يقال له المغيث فَلَمَّا رَأَوْهُ مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ استبشروا و قَالُواْ هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا والمعنى ممطر إيانا قيل كان هود قاعداً في قومه فجاء سحاب مكثر فقالوا هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا فقال بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ من العذاب ثم بيّن ماهيته فقال رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ثم وصف تلك الريح فقال تُدَمّرُ كُلَّ شَى ْء أي تهلك كل شيء من الناس والحيوان والنبات بِأَمْرِ رَبّهَا والمعنى أن هذا ليس من باب تأثيرات الكواكب والقرانات بل هو أمر حدث ابتداء بقدرة الله تعالى لأجل تعذيبكم


الصفحة التالية
Icon