وضع وقد يكون استعمالاً معنوياً ويتطرق إليه الكذب والصدق والعلم مثال الأول من وضع أولاً اسم السماء لموضوعها وقال هذا سماء مثال الثاني إذا قلنا بعد ذلك للماء والحجر هذا سماء فإنه كذب ومن يعتقده فهو جاهل وكذلك قولهم في الملائكة إنها بنات الله لم تكن تسمية وضعية وإنما أرادوا به أنهم موصوفون بأمر يجب استعمال لفظ البنات فيهم وذلك كذب ومعتقده جاهل فهذا هو المراد بما ذكرنا أن الظن يتبع في الأمور المصلحية والأفعال العرفية أو الشرعية عند عدم الوصول إلى اليقين وأما في الاعتقادات فلا يغني الظن شيئاً من الحق فإن قيل أليس الظن قد يصيب فكيف يحكم عليه بأنه لا يغني أصلاً نقول المكلف يحتاج إلى يقين يميز الحق من الباطل ليعتقد الحق ويميز الخير من الشر ليفعل الخير لكن في الحق ينبغي أن يكون جازماً لاعتقاد مطابقه والظان لا يكون جازماً وفي الخير ربما يعتبر الظن في مواضع ويحتمل أن يقال المراد من الحق هو الله تعالى ومعناه أن الظن لا يفيد شيئاً من الله تعالى أي الأوصاف الإلاهية لا تستخرج بالظنون يدل عليه قوله تعالى ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ( الحج ٦ ) وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى في ثلاثة مواضع منع من الظن وفي جميع تلك المواضع كان المنع عقيب التسمية والدعاء باسم موضعان منها في هذه السورة أحدهما قوله تعالى إِنْ هِى َ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ( النجم ٢٣ ) والثاني قوله تعالى وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالاْلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاْيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الظَّالِمُونَ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ ( الحجرات ١١ ١٢ ) عقيب الدعاء بالقلب وكل ذلك دليل على أن حفظ اللسان أولى من حفظ غيره من الأركان وأن الكذب أقبح من السيئات الظاهرة من الأيدي والأرجل وهذه المواضع الثلاثة أحدها مدح من لا يستحق المدح كاللاّت والعزى من العز وثانيها ذم من لا يستحق الذم وهم الملائكة الذين هم عباد الرحمن يسمونهم تسمية الأنثى وثالثها ذم من لم يعلم حاله وأما مدح من حاله لا يعلم فلم يقل فيه لا يتبعون إلا الظن بل الظن فيه معتبر والأخذ بظاهر حال العاقل واجب ثم قال تعالى
فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَواة َ الدُّنْيَا
أي اترك مجادلتهم فقد بلغت وأتيت بما كان عليك وأكثر المفسرين يقولون بأن كل ما في القرآن من قوله تعالى فَأَعْرَضَ منسوخ بآية القتل وهو باطل فإن الأمر بالإعراض موافق لآية القتال فكيف ينسخ به وذلك لأن النبي ( ﷺ ) كان مأموراً بالدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة فلما عارضوه بأباطيلهم قيل له وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى َ أَحْسَنُ ( النحل ١٢٥ ) ثم لما لم ينفع قال له ربه فأعرض عنهم ولا تقابلهم بالدليل والبرهان فإنهم لا يتبعون إلا الظن ولا يتبعون الحق وقابلهم بالإعراض عن المناظرة بشرط جواز المقابلة فكيف يكون منسوخاً والإعراض من باب أشكاه والهمزة فيه للسلب كأنه قال أزل العرض ولا تعرض عليهم بعد هذا أمراً وقوله تعالى مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا لبيان تقديم فائدة العرض والمناظرة لأن من لا يصغي إلى القول كيف يفهم معناه وفي ذِكْرِنَا وجوه الأول القرآن الثاني الدليل والبرهان الثالث ذكر الله تعالى فإن من لا ينظر في الشيء كيف يعرف صفاته وهم كانوا يقولون نحن لا نتفكر في آلاء الله لعدم تعلقنا بالله وإنما أمرنا مع من خلقنا وهم الملائكة أو الدهر على اختلاف أقاويلهم وتباين أباطيلهم وقوله تعالى وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَواة َ الدُّنْيَا إشارة إلى إنكارهم الحشر كما قالوا إِنْ هِى َ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ( المؤمنون ٣٧ ) وقال تعالى


الصفحة التالية
Icon