الفعل ويحثه عليه علمه فعلمه بحاله وقدرته على ثوابه وعقابه فإذا أتى بالعمل الصالح علم من أنواع مقدورات الله ومعلومات الله تعالى ما لم يعلمه أحد إلا باطلاع الله عليه وبكشفه ذلك له فيؤمن وهذا هو المعنى في قوله هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَة َ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ( الفتح ٤ ) فإذا آمن المكلف بمحمد بالبرهان وبالمعجزة وعمل صالحاً حمله علمه على أن يؤمن بكل ما قاله محمد ولم يجد في نفسه شكاً وللمؤمن في المرتبة الأولى أحوال وفي المرتبة الأخيرة أحوال أما في الإيمان بالله ففي الأول يجعل الله معبوداً وقد يقصد غيره في حوائجه فيطلب الرزق من زيد وعمر ويجعل أمراً سبباً لأمر وفي الأخيرة يجعل الله مقصوداً ولا يقصد غيره ولا يرى إلا منه سره وجهره فلا ينيب إلى شيء في شيء فهذا هو الإيمان الآخر بالله وذلك الإيمان الأول
وأما ما في النبي ( ﷺ ) فيقول أولاً هو صادق فيما ينطق ويقول آخر لا نطق له إلا بالله ولا كلام يسمع منه إلا وهو من الله فهو في الأول يقول بالصدق ووقوعه منه وفي الثاني يقول بعدم إمكان الكذب منه لأن حاكي كلام الغير لا ينسب إليه الكذب ولا يمكن إلا في نفس الحكاية وقد علم هو أنه حاك عنه كما قاله وأما في المرتبة الأولى فيجعل الحشر مستقبلاً والحياة العاجلة حالاً وفي المرتبة الأخيرة يجعل الحشر حالاً والحياة الدنيا ماضياً فيقسم حياة نفسه في كل لحظة ويجعل الدنيا كلها عدماً لا يلتفت إليها ولا يقبل عليها
المسألة الرابعة قوله وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَءامَنُواْ هو في مقابلة قوله في حق الكافر وَصُدُّواْ ( محمد ١ ) لأنا بينا في وجه أن المراد بهم صدوا عن اتباع محمد ( ﷺ ) وهذا حث على اتباع محمد ( ﷺ ) فهم صدوا أنفسهم عن سبيل الله وهو محمد عليه السلام وما أنزل عليه وهؤلاء حثوا أنفسهم على اتباع سبيله لا جرم حصل لهؤلاء ضد ما حصل لأولئك فأضل الله حسنات أولئك وستر على سيئات هؤلاء
المسألة الخامسة قوله تعالى وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ هل يمكن أن يكون من ربهم وصفاً فارقاً كما يقال رأيت رجلاً من بغداد فيصير وصفاً للرجل فارقاً بينه وبين من يكون من الموصل وغيره نقول لا لأن كل ما كان من الله فهو الحق فليس هذا هو الحق من ربهم بل قوله مّن رَّبّهِمُ خبر بعد خبر كأنه قال وهو الحق وهو من ربهم أو إن كان وصفاً فارقاً فهو على معنى أنه الحق النازل من ربهم لأن الحق قد يكون مشاهداً فإن كون الشمس مضيئة حق وهو ليس نازل من الرب بل هو علم حاصل بطريق يسره الله تعالى لنا
ثم قال تعالى كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أي سترها وفيه إشارة إلى بشارة ما كانت تحصل بقوله أعدمها ومحاها لأن محو الشيء لا ينبىء عن إثبات أمر آخر مكانه وأما الستر فينبىء عنه وذلك لأن من يريد ستر ثوب بال أو وسخ لا يستره بمثله وإنما يستره بثوب نفيس نظيف ولا سيما الملك الجواد إذا ستر على عبد من عبيده ثوبه البالي أمر بإحضار ثوب من الجنس العالي لا يحصل إلا بالثمن الغالي فيلبس هذا هو الستر بينه وبين المحبوبين وكذلك المغفرة فإن المغفرة والتكفير من باب واحد في المعنى وهذا هو المذكور في قوله تعالى فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ( الفرقان ٧٠ ) وقوله وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ إشارة إلى ما ذكرنا من أنه يبدلها حسنة فإن قيل كيف تبدل السيئة حسنة نقول معناه أنه يجزيه بعد سيئاته ما يجزى المحسن على إحسانه فإن قال الإشكال باق وباد وما زال بل زاد فإن الله تعالى لو أثاب على


الصفحة التالية
Icon