نقول على هذا مّن رَّبّهِمُ لا يكون متعلقاً بالحق وإنما يكون تعلقه بقوله بقوله تعالى اتَّبَعُواْ أي اتبعوا أمر ربهم أي من فضل الله أو هداية ربهم اتبعوا الحق وهو الله سبحانه
المسألة الثالثة إذا كان الباطل هو المعدوم الذي لا يجوز وجوده فكيف يمكن اتباعه نقول لما كانوا يقولون إنما يفعلون للأصنام وهي آلهة وهي تؤجرهم بذلك كانوا متبعين في زعمهم ولا متبع هناك
المسألة الرابعة قال في حق المؤمنين اتَّبَعُواْ الْحَقَّ مِن رَّبّهِمْ وقال في حق الكفار اتَّبَعُواْ الْبَاطِلَ من آلهتهم أو الشيطان نقول أما آلهتهم فلأنهم لا كلام لهم ولا عقل وحيث ينطقهم الله ينكرون فعلهم كما قال تعالى وَيَوْمَ الْقِيَامَة ِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ( فاطر ١٤ ) وقال تعالى وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ( الأحقاف ٦ ) والله تعالى رضي بفعلهم وثبتهم عليه ويحتمل أن يقال قوله مّن رَّبّهِمُ عائد إلى الأمرين جميعاً أي من ربهم اتبع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق أي من حكم ربهم ومن عند ربهم
ثم قال تعالى كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ وفيه أيضاً مسائل
المسألة الأولى أي مثل ضربه الله تعالى حتى يقول كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ نقول فيه وجهان أحدهما إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات الأبرار الثاني كون الكافر متبعاً للباطل وكون المؤمن متبعاً للحق ويحتمل وجهين آخرين أحدهما على قولنا مّن رَّبّهِمُ أي من عند ربهم اتبع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق نقول هذا مثل يضرب عليه جميع الأمثال فإن الكل من عند الله الإضلال وغيره والاتباع وغيره وثانيهما هو أن الله تعالى لما بيّن أن الكافر يضل الله عمله والمؤمن يكفر الله سيئاته وكان بين الكفر والإيمان مباينة ظاهرة فإنهما ضدان نبه على أن السبب كذا أي ليس الإضلال والتكفير بسبب المضادة والاختلاف بل بسبب اتباع الحق والباطل وإذا علم السبب فالفعلان قد يتحدان صورة وحقيقة وأحدهما يورث إبطال الأعمال والآخر يورث تكفير السيئات بسبب أن أحدهما يكون فيه اتباع الحق والآخر اتباع الباطل فإن من يؤمن ظاهراً وقلبه مملوء من الكفر ومن يؤمن بقلبه وقلبه مملوء من الإيمان اتحد فعلاهما في الظاهر وهما مختلفان بسبب اتباع الحق واتباع الباطل لا بدع من ذلك فإن من يؤمن ظاهراً وهو يسر الكفر ومن يكفر ظاهراً بالإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان اختلف الفعلان في الظاهر وإبطال الأعمال لمن أظهر الإيمان بسبب أن اتباع الباطل من جانبه فكأنه تعالى قال الكفر والإيمان مثلان يثبت فيهما حكمان وعلم سببه وهو اتباع الحق والباطل فكذلك اعلموا أن كل شيء اتبع فيه الحق كان مقبولاً مثاباً عليه وكل أمر اتبع فيه الباطل كان مردوداً معاقباً عليه فصار هذا عاماً في الأمثال على أنا نقول قوله كَذالِكَ لا يستدعي أن يكون هناك مثل مضروب بل معناه أنه تعالى لما بيّن حال الكافر وإضلال أعماله وحال المؤمن وتكفير سيئاته وبيّن السبب فيهما كان ذلك غاية الإيضاح فقال كَذالِكَ أي مثل هذا البيان يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ويبين لهم أحوالهم
المسألة الثانية الضمير في قوله أَمْثَالَهُمْ عائد إلى من فيه وجهان أحدهما إلى الناس كافة قال تعالى يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ على أنفسهم وثانيهما إلى الفريقين السابقين في الذكر معناه يضرب الله للناس أمثال الفريقين السابقين