وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة ِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
اعلم أنه تعالى بيّن فيما سبق أن القول بعبادة الأصنام قول باطل من حيث إنها لا قدرة لها ألبتة على الخلق والفعل والإيجاد والإعدام والنفع والضر فأردفه بدليل آخر يدل على بطلان ذلك المذهب وهي أنها جمادات فلا تسمع دعاء الداعين ولا تعم حاجات المحتاجين وبالجملة فالدليل الأول كان إشارة إلى نفي العلم من كل الوجوه وإذا انتفى العلم والقدرة من كل الوجوه لم تبق عبادة معلومة ببديهة العقل فقوله وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ استفهام على سبيل الإنكار والمعنى أنه لا أمراً أبعد عن الحق وأقرب إلى الجهل ممن يدعوا من دون الله الأصنام فيتخذها آلهة ويعبدها وهي إذا دعيت لا تسمع ولا تصح منها الإجابة لا في الحال ولا بعد ذلك اليوم إلى يوم القيامة وإنما جعل ذلك غاية لأن يوم القيامة قد قيل إنه تعالى يحييها وتقع بينها وبين من يعبدها مخاطبة فلذلك جعله تعالى حداً وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تعادي هؤلاء العابدين واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يحيي هذه الأصنام يوم القيامة وهي تظهر عداوة هؤلاء العابدين وتتبرأ منهم وقال بعضهم بل المراد عبدة الملائكة وعيسى فإنهم في يوم القيامة يظهرون عداوة هؤلاء العابدين فإن قيل ما المراد بقوله تعالى وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وكيف يعقل وصف الأصنام وهي جمادات بالغفلة وأيضاً كيف جاز وصف الأصنام بما لا يليق إلا بالعقلاء وهي لفظة من وقوله هُمْ غَافِلُونَ قلنا إنهم لما عبدوها ونزلوها منزلة من يضر وينفع صح أن يقال فيها إنها بمنزلة الغافل الذي لا يسمع ولا يجيب وهذا هو الجواب أيضاً عن قوله إن لفظة من ولفظة هُمْ كيف يليق بها وأيضاً يجوز أن يريد كل معبود من دون الله من الملائكة وعيسى وعزير والأصنام إلا أنه غلب غير الأوثان على الأوثان
واعلم أنه تعالى لما تكلم في تقرير التوحيد ونفي الأضداد والأنداد تكلم في النبوة وبيّن أن محمداً ( ﷺ ) كلما عرض عليهم نوعاً من أنواع المعجزات زعموا أنه سحر فقال وإذا تتلى عليهم الآيات البينة وعرضت عليهم المعجزات الظاهرة سموها بالسحر ولما بيّن أنهم يسمون المعجزة بالسحر بيّن أنهم متى سمعوا القرآن قالوا إن محمداً افتراه واختلقه من عند نفسه ومعنى الهمزة في أم للإنكار والتعجب كأنه قيل دع هذا واسمع القول المنكر العجيب ثم إنه تعالى بيّن بطلان شبهتهم فقال إن افتريته على سبيل الفرض فإن الله تعالى يعاجلني بعقوبة بطلان ذلك الافتراء وأنتم لا تقدرون على دفعه عن معاجلتي بالعقوبة فكيف أقدم على


الصفحة التالية
Icon