يحتمل أمرين أحدهما أن يكون التكذيب راجعاً إلى قولهم فَاسْتَغْفِرْ لَنَا وتحقيقه هو أنهم أظهروا أنهم يعتقدون أنهم مسيئون بالتخلف حتى استغفروا ولم يكن في اعتقادهم ذلك بل كانوا يعتقدون أنهم بالتخلف محسنون ثانيهما قالوا شَغَلَتْنَا إشارة إلى أن امتناعنا لهذا لا غير ولم يكن ذلك في اعتقادهم بل كانوا يعتقدون امتناعهم لاعتقاد أن النبي ( ﷺ ) والمؤمنون يقهرون ويغلبون كما قال بعده بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ( الفتح ١٢ ) وقوله قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً معناه أنكم تحترزون عن الضر وتتركون أمر الله ورسوله وتقعدون طلباً للسلامة ولو أراد بكم الضرر لا ينفعكم قعودكم من الله شيئاً أو معناه أنكم تحترزون عن ضرر القتال والمقاتلين وتعتقدون أن أهليكم وبلادكم تحفظكم من العدو فهب أنكم حفظتم أنفسكم عن ذلك فمن يدفع عنكم عذاب الله في الآخرة مع أن ذلك أولى بالاحتراز وقد ذكرنا في سورة ي س في قوله تعالى إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرّ ( ي س ٢٣ ) أنه في صورة كون الكلام مع المؤمن أدخل الباء على الضر فقال إِنْ أَرَادَنِى َ اللَّهُ بِضُرّ ( الزمر ٣٨ ) وقال وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ ( الأنعام ١٧ ) وفي صورة كون الكلام مع الكافر أدخل الباء عل الكافر فقال ههنا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً وقال مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُمْ مّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً ( الأحزاب ١٧ ) وقد ذكرنا الفرق الفائق هناك ولا نعيده ليكون هذا باعثاً على مطالعة تفسير سورة يّس فإنها درج الدرر اليتيمة بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي بما تعملون من إظهار الحرب وإضمار غيره
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً
يعني لم يكن تخلفكم لما ذكرتم بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ وأن مخففة من الثقيلة أي ظننتم أولاً فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به وذلك لأن الشبهة قد يزينها الشيطان ويضم إليها مخايلة يقطع بها الغافل وإن كان لا يشك فيها العاقل وقوله تعالى وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْء يحتمل وجهين أحدهما أن يكون هذا العطف عطفاً يفيد المغايرة فقوله وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْء غير الذي في قوله بَلْ ظَنَنْتُمْ وحينئذ يحتمل أن يكون الظن الثاني معناه وظننتم أن الله يخلف وعده أو ظننتم أن الرسول كاذب في قوله وثانيهما أن يكون قوله وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْء هو ما تقدم من ظن أن لا ينقلبوا ويكون على حد قول القائل علمت هذه المسألة وعلمت


الصفحة التالية
Icon