والانتقال في مواضع القتال أو في العضو الذي تتم به فائدة الحصول في المعركة والوصول والأول هو الرجل والثاني هو العين لأن بالرجل يحصل الانتقال وبالعين يحصل الانتفاع في الطلب والهرب وأما الأذن والأنف واللسان وغيرها من الأعضاء فلا مدخل لها في شيء من الأمرين بقيت اليد فإن المقطوع اليدين لا يقدر على شيء وهو عذر واضح ولم يذكره نقول لأن فائدة الرجل وهي الانتقال تبطل بالخلل في إحداهما وفائدة اليد وهي الضراب والبطش لا تبطل إلا ببطلان اليدين جميعاً ومقطوع اليدين لا يوجد إلا نادراً ولعل في جماعة النبي ( ﷺ ) لم يكن أحد مقطوع اليدين فلم يذكره أو لأن المقطوع ينتفع به في الجهاد فإنه ينظر ولولاه لاستقل به مقاتل فيمكن أن يقاتل وهو غير معذور في التخلف لأن المجاهدين ينتفعون به بخلاف الأعمى فإن قيل كما أن مقطوع اليد الواحدة لا تبطل منفعة بطشه كذلك الأعور لا تبطل منفعة رؤيته وقد ذكر الأعمى وما ذكر الأشل وأقطع اليدين قلنا لما بينا أن مقطوع اليدين نادر الوجود والآفة النازلة بإحدى اليدين لا تعمهما والآفة النازلة بالعين الواحدة تعم العينين لأن منبع النور واحد وهما متجاذبان والوجود يفرق بينهما فإن الأعمى كثير الوجود ومقطوع اليدين نادر
المسألة الثالثة قدم الآفة في الآلة على الآفة في القوة لأن الآفة في القوة تزول وتطرأ والآفة في الآلة إذ طرأت لا تزول فإن الأعمى لا يعود بصيراً فالعذر في محل الآلة أتم
المسألة الرابعة قدم الأعمى على الأعرج لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال والأعرج إن حضر راكباً أو بطريق آخر يقدر على القتال بالرمي وغيره
لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة ِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَة َ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغَانِمَ كَثِيرَة ً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
اعلم أن طاعة كل واحد منهما طاعة الآخر فجمع بينهما بياناً لطاعة الله فإن الله تعالى لو قال ومن يطع الله كان لبعض الناس أن يقول نحن لا نرى الله ولا نسمع كلامه فمن أين نعلم أمره حتى نطيعه فقال طاعته في طاعة رسوله وكلامه يسمع من رسوله
ثم قال وَمَن يَتَوَلَّ أي بقلبه ثم لما بيّن حال المخلفين بعد قوله إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ( الفتح ١٠ ) عاد إلى بيان حالهم وقال لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة ِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ من الصدق كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض فَأنزَلَ السَّكِينَة َ عَلَيْهِمْ حتى بايعوا على الموت وفيه معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال قبل هذه الآية وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ( الفتح ١٧ ) فجعل طاعة الله والرسول علامة لإدخال الله الجنة في تلك الآية وفي هذه الآية بيّن أن طاعة الله والرسول وجدت من أهل بيعة الرضوان أما طاعة الله فالإشارة إليها بقوله لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وأما طاعة الرسول فبقوله إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة ِ بقي الموعود به وهو إدخال الجنة أشار إليه بقوله تعالى لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة كما قال تعالى وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِى َ اللَّهُ عَنْهُمْ ( المجادلة ٢٢ )
ثم قال تعالى فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ والفاء للتعقيب وعلم الله قبل الرضا لأنه علم ما في قلوبهم من


الصفحة التالية
Icon