والله لتدخلن وعلى هذا تبين أن قوله صَدَقَ اللَّهُ كان في الكلام لأن الرؤيا كانت كلاماً ويحتمل أن يكون تحقيقاً لقوله تعالى صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ يعني والله ليقعن الدخول وليظهرن الصدق فلتدخلن ابتداء كلام وقوله تعالى إِن شَاء اللَّهُ فيه وجوه أحدها أنه ذكره تعليماً للعباد الأدب وتأكيداً لقوله تعالى وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَى ْء إِنّى فَاعِلٌ ذالِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ( الكهف ٢٣ ٢٤ ) الثاني هو أن الدخول لما لم يقع عام الحديبية وكان المؤمنون يريدون الدخول ويأبون الصلح قال لَتَدْخُلُنَّ ولكن لا بجلادتكم ولا بإرادتكم إنما تدخلون بمشيئة الله تعالى الثالث هو أن الله تعالى لما قال في الوحي المنزل على النبي ( ﷺ ) لَتَدْخُلُنَّ ذكر أنه بمشيئة الله تعالى لأن ذلك من الله وعد ليس عليه دين ولا حق واجب ومن وعد بشيء لا يحققه إلا بمشيئة الله تعالى وإلا فلا يلزمه به أحد وإذا كان هذا حال الموعود به في الوحي المنزّل صريحاً في اليقظة فما ظنكم بالوحي بالمنام وهو يحتمل التأويل أكثر مما يحتمله الكلام فإذا تأخر الدخول لم يستهزئون الرابع هو أن ذلك تحقيقاً للدخول وذلك لأن أهل مكة قالوا لا تدخلوها إلا بإرادتنا ولا نريد دخولكم في هذه السنة ونختار دخولكم في السنة القابلة والمؤمنون أرادوا الدخول في عامهم ولم يقع فكان لقائل أن يقول بقي الأمر موقوفاً على مشيئة أهل مكة إن أرادوا في السنة الآتية يتركوننا ندخلها وإن كرهوا لا ندخلها فقال لا تشترط إرادتهم ومشيئتهم بل تمام الشرط بمشيئة الله وقوله مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ لاَ تَخَافُونَ إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره فقوله لَتَدْخُلُنَّ إشارة إلى الأول وقوله مُحَلّقِينَ إشارة إلى الآخر وفيه مسألتان
المسألة الأولى مُحَلّقِينَ حال الداخلين والداخل لا يكون الآن محرماً والمحرم لا يكون محلقاً فقوله ءامِنِينَ ينبىء عن الدوام فيه إلى الحلق فكأنه قال تدخلونها آمنين متمكنين من أن تتموا الحج محلقين
المسألة الثانية قوله تعالى لاَ تَخَافُونَ أيضاً حال معناه غير خائفين وذلك حصل بقوله تعالى ءامِنِينَ فما الفائدة في إعادتها نقول فيه بيان كمال الأمن وذلك لأن بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال وكان عند أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل الحرم فقال تدخلون آمنين وتحلقون ويبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام وقوله تعالى فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ أي من المصلحة وكون دخولكم في سنتكم سبباً لوطء المؤمنين والمؤمنات أو فَعَلِمَ للتعقيب فَعَلِمَ وقع عقيب ماذا نقول إن قلنا المراد من فَعَلِمَ وقت الدخول فهو عقيب صدق وإن قلنا المراد فَعَلِمَ المصلحة فالمعنى علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب والتقدير يعني حصلت المصلحة في العام القابل فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ من المصلحة المتجددة فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً إما صلح الحديبية وإما فتح خيبر وقد ذكرناه وقوله تعالى وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَى ْء عَلِيماً يدفع وهم حدوث علمه من قوله فَعَلِمَ وذلك لأن قوله وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَى ْء عَلِيماً يفيد سبق علمه العام لكل علم محدث
هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاة ِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَة ً وَأَجْراً عَظِيماً


الصفحة التالية
Icon